Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/04/2009 G Issue 13363
الخميس 05 جمادى الأول 1430   العدد  13363
شيء من
نفوق ابن لادن
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

تقول الأخبار القادمة من إسلام أباد: (أعلن الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري الاثنين 27-4-2009م لعدد من الصحافيين أن أجهزة الاستخبارات الباكستانية تعتقد أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن قتل، لكنها لا تملك دليلاً على ذلك). نفوق هذا المجرم السفاك هو بلا شك مما يثلج القلب، ويبعث على الارتياح، غير أن ما أحدثه هذا المجرم ستبقى آثاره لسنوات وسنوات باقية. ثقافة منظمة القاعدة التي يعود له الفضل في إنشائها ستبقى يتلقفها أساطين الإرهابيين، ويعملون على استقطاب الأتباع لإبقائها حية، وفاعلة، طالما أن جهودنا لاستئصال جذور هذه الثقافة ما تزال أقل وبكثير من المطلوب.

عرف تاريخ الإسلام كثيراً من الحركات التي كانت تسعى إلى تثوير الإسلام، واستخدام مفاهيمه وقيمه لخدمة أغراضها السياسية، ولن تكون القاعدة الحركة الأخيرة. فطالما أن هناك من يؤمن بالإسلام ديناً، وبمفاهيمه حلاً حضارياً، سيكون هناك من يمتطي هذه المفاهيم لفبركتها وتوجيهها نحو تحقيق أهدافه، كما فعل ابن لادن والقاعديون. حركة الخوارج كانت إحدى الحركات التي تكاد (تتطابق) تماماً من حيث النظرية السياسية مع ما يفعله القاعديون، ومع ذلك تلاشت أو تكاد، وظل الإسلام المتسامح، أو الوسطي، أو المتماهي مع مقاصد الرسالة المحمدية من حيث الروح هو المتسيّد. بقاء ثقافة أهل السنة والجماعة معتقد الأغلبية العظمى من المسلمين لم يكن صدفة، وإنما كان نتيجة لجهود ثقافية وفكرية كانت تدعمها نزعة الإنسان (السوي) إلى السلام والأمن، وكراهية القتل والفتن وإراقة الدماء، والتي تشكلت فيما بعد، وعلى مر العصور، لتكون بمثابة حجر الزاوية للنظرية السياسية عند أهل السنة.

ولا يمكن قراءة ظاهرة ابن لادن دون أن نقرأ الحركات التي سبقتها في الداخل السعودي، والتي جاءت حركة ابن لادن امتداداً لها على المستوى الفكري وكذلك السياسي. حركة جهيمان - مثلاً- تطورت لتفرز ابن لادن، والقتال بحجة نصرة (المهدي) في الحرم كما كان يزعم جهيمان، تطور ليصبح القتال بحثاً عن الحور العين في الجنة، من خلال شرعنة (الانتحار) وفبركته تحت مسمى (الاستشهاد) كما يفعل القاعديون. هذه الظواهر المتلاحقة والمترابطة والمتطورة إلى الأسوأ، لابد من قراءتها قراءة موضوعية، لا تتوقف عند مجرد القضاء على ابن لادن (كشخص)، مثملا قضينا على جهيمان وطغمته كأشخاص وليس كثقافة، وإنما تذهب إلى الأعماق، إلى الأسباب والدواعي والبواعث التي أفرزت جهيمان ومن ثم ابن لادن خلال الثلاثة عقود الماضية. وما لم ننفذ إلى الأعماق، وإلى التعامل مع الثقافة التي أفرزت هؤلاء، فيجب أن نتوقع جهيمان آخر، وابن لادن جديد، ربما أسوأ وأعقد خطراً من الاثنين معاً. هذه حقيقة لابد لنا من مواجهتها.

إنني أعتقد جازماً أن التعامل مع الفكر (المتشدد)، الذي هو الحاضن الرئيس لمثل هذه الحركات من خلال (الاحتواء) أو (التنازل)، أو تطييب الخواطر، لن يزيد الطين إلا بللا. فقد جربنا هذا الأسلوب منذ أن ظهر جهيمان، ولم نجن منه إلا ابن لادن والقاعديين. وعندما نقدم المواجهة الأمنية على مواجهة الثقافة التي أفرزت هذه الظاهرة، أو نؤجل هذه المواجهة، أو نتهيب منها، أو نخشى تبعاتها، فنحن في واقع الأمر نعالج الجزء الظاهر على السطح ونترك الجذور التي ستفرز هذه الظواهر مرة أخرى كما علمنا التاريخ. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد