كنتِ نوَّارة حريصة على أماسي الخميس، فوجبة عائلية خاصة تعد فيه، وسهرة تليق بكتلة العائلة تجتمع على بهجة، والزيارات الحميمة لا تكون إلا فيه، فالخميس عندك له طعم كما الليمون الذي تخلطينه بالماء المثلج وتمزجينه بالسكر، وتسقيننا إياه في ظهيرته حين تلهب شمس الرياض ظهور جلساتنا العائلية، وكثيراً ما داهمني الشوق لخميساتكِ نوارة، وافتقدتُ طرقات الزائرين فيه، و بهجتنا نرتدي أجمل ثيابنا ونحمل أحلى زهور بستاننا ونحن نتبعكِ نحو اتجاهكِ، فالخميس هذا نحتفي فيه بلقاء زوار من الحجاز كانوا يأتوننا برائحة مكة، وعبق المدينة، وتبقى عطور النعنع، والورد، والدوش، والعطرة، وطعم الحلوى اللبنية، والهريسة، وبيض الكوكو في ذائقتنا لا تنمحي مع مرور عشرات الخميسات حتى تعاودنا دعسات القادمين من المطار ونحن في استقبالهم فرحين، وعند توديعهم حزانى، نتلمس مواضع جلساتهم، وبواقي عبقهم، والخميس الآخر يأتي الدور علينا نرتدي الفرحة ذاتها ونحن في لقاء أصدقاء العائلة، وناركِ لا تنطفئ فتارة الحليب بالشكولاتة، وتارة الشاي بالزهور، وتارة العصير بالورد، وفي المساء تمتد سفرتك العامرة بما لذ وطاب، حتى إذا ما تنحنحوا إيذانا بالذهاب هرعنا نتمسك بأطرافهم، ثم كلما كبرنا باعدت بيننا وبين خميساتكِ إيقاعات الحياة حتى أصبح كل خميس صورة مطابقة لكل الأيام الآهلة بالزحمة والنسيان والوحدة.. تذكرت تلك الأيام، وهي لا تعود لأنكِ لن تعودي.., ولأننا اليوم في خميس نعبر بالوقت مذهولين بالحياة وفراغاتها بمثل ما نحن مذهولون بمتغيراتها، ربما نوارة النهر يستمد من البحر، وربما البحر الذي لا ينفد إلا بمشيئة الله لن يلتقي بالنهر, حين يكون للنهر أن تجف ينابيعه، فالحياة مالحة كالبحر، قليلها عذب كالنهر.. أتدرين لماذا..؟ سأقول لك: لأنكِ لم تعودي.. ولن تفعلي، وحين غادرتِ منصة الحياة طُويتْ معكِ كل مقاعدها واختفت معكِ ومضات أماسيكِ وصباحاتكِ ولحظاتكِ.. حتى الخميس لم يعد ذلك الذي كان بكِ..