رسخت صورة القرصان البحري في أذهان الجيل الحالي الذين عايشوا القرنين الماضيين بالمجرم اللص الذي يعترض السفن التجارية في أعالي البحار ومعتمدين الإرهاب البحري شكلا من المهن القذرة متنصلين من كل الأخلاق العامة ويعتاشون على الغدر والنهب والسلب مختبئين في الجزر المجهولة، ويرهب علمهم المميز بخرقته السوداء ومتحدية النظم والقواعد البحرية بشعار الموت المشكل من عظمتين وجمجمة وشخصية القرصان الرئيس المخيفة لكل البحارة على السفن التجارية بزيه الغريب وقد غطى رأسه بمنديل أزرق يتدلى على جبهته وغطى إحدى عينيه بغطاء أسود مربوط بخيط برأسه على الشكل المعروف والمميز بوزير الحرب الصهيوني موشى دايان!
وظهرت قرصنة القرن الحادي والعشرين مفاجئة دولية في أفقر وأضعف دولة في العالم (الصومال) المفكك لمناطق وتحت سيطرة ميليشيات مسلحة ذات أيديولوجيات مختلفة تتراوح من اليسار حتى أقصى اليمين بل أصبح وضعه السياسي منسيا من قبل المجتمع الدولي ليأسه بإيجاد حل مناسب ينظم ترميم الدولة الصومالية.
وطور القراصنة السود الصوماليون أساليب وآليات القرصنة البحرية فاستبدلوا سفن القراصنة الرواد والمجهزة بطاقم من المجرمين الهاربين من وجه العدالة في أوروبا الجنوبية واستحدث القراصنة الصوماليون طريقة هجوم القوارب الصغيرة التي تحمل طاقما إرهابيا مكونا من عشرة مسلحين بأسلحة خفيفة ويحددون سير السفن التجارية من خلال رصدها بأجهزة حديثة حين اقترابها للممرات الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن التي كانت آمنة ولها أهمية مثلى لكونها ممرات للنقل البترولي الذي يشكل شريان الاقتصاد العالمي.
والتساؤل الملح والعريض عن أسباب ظهور هذه الظاهرة الإرهابية في هذه المنطقة بالذات والتي تعمها الفوضى الأمنية والتي كانت مسرحا لحروب إقليمية شرسة وملازما لإهمال دولي لا يهتم بإيجاد الحلول السياسية للمشكلة الصومالية ومن وراء هذه المجموعات الإرهابية ومن حولهم من مجاميع صيادي سمك إلى قراصنة محترفين!
فالقراصنة التقليديون القدامى كانوا يهددون التجارة الدولية في البحر المتوسط والمحيطات النافذة للخطوط البحرية نحو الأرض الجديدة أمريكا ويشكلون الأداة الناقلة للرقيق الإفريقي لتهريبهم إلى عبودية الرجل الأبيض ولقهرهم تحت نير نظام السخرة القهري لاستصلاح مزارعهم وقراهم! والقراصنة الصوماليون قلبوا القاعدة وأصبح ضحاياهم من سفن الرجل الأبيض وفرض الديات ونظام الفدية النقدية بملايين الدولارات! أين الحل الجذري لهذه الظاهرة الإرهابية قد يأتي في حل مشكلة الدولة في الصومال فمفهوم الدولة المطاعة أمنيا مفقود تماما بعد تعرضها لهزات داخلية مشتعلة قسمته إلى مناطق تسيطر عليها ميليشيات ذات مفاهيم متناحرة والدولة ومؤسساتها مهملة من قبل الدائرة الأولى لانتمائها العربي فسواحل البحر الأحمر منطقة إقليمية عربية ومن واجبها القومي أن تفعل (ميثاق الدفاع العربي المشترك) فهذه القرصنة المتفجرة في خليج عدن تهم الدول المنتجة والمصدرة للبترول أولا ومستقبل الملاحة التجارية في قناة السويس ثانيا لكونها الممر الوحيد الناقل لتجارة الطاقة البترولية العالمية وتعدت المشكلة الصومالية من كونها قضية أمنية تخص الشعب الصومالي في تنازع فصائل سياسية بل مشكلة جديدة تشمل أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي، ولابد من تكاتف الجهود العربية لمكافحة القرصنة البحرية وإنهائها تماما وذلك بإيجاد الحلول الجذرية للمشكلة الصومالية وتثبيت الأمن والاستقرار من داخله بتوحيد هذه الفصائل المتناحرة تحت شعار الوحدة الوطنية لحماية مؤسسة الدولة الصومالية، فالتدخل الدولي متشعب الأغراض والمصالح ولا يمكن أبدا أن يأتي الحل السحري بتبرع الدول المانحة للصومال بمبلغ 250 مليون دولار ليعيد للدولة الصومالية وحدتها وأمنها واستقلالها والقراصنة في خلجان أيل بقيادة القرصان الرئيس جغرافيا قد أسر وأخفى في تلك الخلجان الخفية أكثر من مائة سفينة تجارية وناقلة بترولية دفعت فدية لأكثر من مليار دولار لإنقاذها من خطر التفجير. قد يأتي الحل الجذري من مبادرة عربية تتبناها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية باعتبار أن المشكلة الصومالية هي أساس الحل وهذا الذي يتمناه كل عربي يخجل من القرصنة الإرهابية كأسلوب حياة، وإذا عجز الحل العربي الذي لا نتمناه قد يأتي الدور العالمي بالاستنجاد بالبوارج الحربية والقواعد الأمريكية والفرنسية المنتشرة في خليج عدن وبحر العرب وحتى لا يكون الصومال مستنقعا للإرهاب الدولي!!
* عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودي