Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/04/2009 G Issue 13363
الخميس 05 جمادى الأول 1430   العدد  13363
حوار عن التلوث الإشعاعي 2 - 4
د. عبد الملك بن عبد الله زيد الخيال

 

توقفنا عن الحوار فيما مضى بتساؤل صديقي بقوله:

تساؤلي هل هناك حوادث صغيرة حدثت عن طريق الإهمال؟

فتابعت حديثي قائلاً: قبل أن نتحدث عن تلكالحوادث يجب الإشارة إلى أن المصدر الشائع للتلوث بالأشعة..

...هو استخدام الأشعة في العلاج والتشخيص الطبي، ولذلك يجب توخي الحذر بقدر الإمكان في استخدام جرعات الاشعة عند العلاج والتشخيص. كما أن هناك تلوث نووي ناتج عن دفن النفايات النووية الناتجة عن استعمالاتها المختلفة، وقد تسبب الإهمال في طرق التخلص من المواد المشعة المستخدمة في المجال الطبي في حدوث كثير من الحوادث، وعلى سبيل المثال ما حدث بالمكسيك وتسمى حادثة جواريز عام 1983م، حيث تم التخلص من مصدر للكوبالت - 60 المشع من عيادة طبيب بطريقة خاطئة، حيث خلط النفايات الأخرى الصلبة، التي دورت واستعملت في التصنيع مرة أخرى وقد تسبب ذلك الإهمال في تعرض حوالي 500 شخص لجرعات إشعاعية عالية.

قال: هل تسمى تلك الحادثة جواريز أو جوانيا؟

قلت: حادثة جوانيا التي تتحدث عنها حدثت في البرازيل عام 1987م، حيث تسبب الإهمال في فتح مصدر به مادة مشعة تستخدم للأغراض الطبية عند انتقاله للنفايات، وقد أدى ذلك لتلوث المنطقة بأكملها ووصلت المادة المشعة إلى عدد كبير من السكان، وراح ضحية ذلك الحادث أربعة أفراد عدا تعرض أكثر من خمسين شخصا لجرعات إشعاعية.

قال: لا شك أن المواد المشعة تستخدم أيضا في الصناعة وقد يسبب الإهمال في تعرض البعض لمخاطرها. هل حدثت حوادث في المنطقة العربية.

قلت: هذا صحيح المواد المشعة لها استخدامات صناعية كثيرة، وقد تسبب الإهمال في حدوث احدى تلك الحوادث والتي حدثت في المغرب العربي عام 1984م، حيث تسبب إهمال المسؤول عن سقوط مصدر مشع كان يستعمل في تصوير واختبار لحام الأنابيب على الأرض، حيث التقطه احد المارة الذي لا يعرف خطورته. ونتيجة نقله لمنزله والعبث به نتيجة محاولة فتحه تسبب في موت جميع أفراد أسرة ذلك الشخص بسبب التعرض للأشعة.

قال: نسمع عن خطورة التعرض للأشعة، أين تكمن تلك الخطورة وما تأثير التعرض للإشعاع؟

قلت: يجب أن تعرف أن التأثيرات الداخلية الإشعاعية أشد خطورة من تلك الخارجية. ويجب ان تعرف أيضاً أن تأثير التعرض للإشعاع على الإنسان يختلف، فمثلا تلك التأثيرات قد تكون مبكرة أو متأخرة أو قد تصبح وراثية وقد تؤثر على الأنسجة. والتأثيرات المبكرة عبارة عن قتل خلايا الجسم مما يسبب الوفاة إذا تعرض الجسم البشري لجرعات عالية من الإشعاع. أما التأثيرات المتأخرة فتنتج عند التعرض لجرعات صغيرة من الإشعاع قد ينتج عنها مرض السرطان أو التلف الوراثي. أما التأثيرات الوراثية الناتجة عن التعرض للإشعاع فتتمثل في حدوث خلل في الكروموسومات أو حدوث طفرات في الجينات ذاتها. وقد تسبب هذه التأثيرات أمراضا وراثية في الأجيال التالية، تتراوح بين الأمراض الخفيفة مثل عمى الألوان، والأمراض المعقدة مثل مرض داون، ومرض الرقاص العصبي، وأمراض التشوهات الخلقية الحادة.

قال: نسمع دائما أنه يجب على النساء الحوامل تجنب أخذ أشعة بسبب خطورة الإشعاع على الأجنة (الجنين قبل الولادة).

قلت: نعم هذا صحيح، هناك تقرير صدر عن الأمم المتحدة عام 1991م ترجمه فوزي حمادي وآخرين عام 1994م يتحدث عن الإشعاع والجرعات والتأثيرات والمخاطر يبين أن هناك خطورة كبيرة عند تعرض الجنين للإشعاع في مراحل تكونه فإذا كان التعرض مبكراً أي خلال خمسة عشر يوما الأولى فن الجنين يقتل في الرحم، وقد يحدث تشوه لأعضاء الجنين إذا تعرض خلال الثمانية أسابيع الأولى. هذا التشوه قد يؤدي للوفاة عند الولادة، أما إذا كان التعرض بعد الأسبوع التاسع فتأثير الأشعة يكون على أجهزة جسم الجنين.

قال: استخدام الطاقة النووية أصبح لا مفر منه، ومع ذلك نسمع يوميا عن عدم تقبل الناس للقوى النووية واستخدامات الذرة السلمية وتساؤلي ما أسباب ذلك.

قلت: يرجع عدم تقبل الناس للمخاطر النووية إلى عدة أسباب منها وجود مصادر مختلفة للطاقة أسهل استخداما، وأكثر أمانا من الطاقة النووية. إضافة لذلك شكوك الناس في النفايات المشعة التي ستبقى خطورتها لفترات طويلة في المستقبل وتضر بالأجيال القادمة، كما ان الشعور البشري المضاد للحروب النووية وما ينجم عنه من دمار شديد لا يمكن وصفه، مثل الدمار النووي لمدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان. وكذلك التقديرات غير الدقيقة لتأثيرات التعرض للإشعاع خاصة عند حدوث الانفجارات النووية.

قال: ذكرت الأسباب لكن كيف سيقبل الناس بالمخاطر الناجمة عن استخدام القوى النووية؟

قلت: تقبل أو لا تقبل استخدام الطاقة النووية ومخاطرها شيء ملموس وواقع وشاهد من مشاهد التقدم والتطور، ويلعب التثقيف بتلك المخاطر وكيفية تجنبها دورا مهما، لذلك يجب ان يعرف الناس معرفة كاملة كل منافع استخدام القوى النووية، كما يجب إشراكهم بشكل أوسع في تقويم المخاطر الناجمة عنها.

قال: وكيف سيعرف كل الناس ذلك.

قلت: يجب استخدام جميع وسائل الإعلام للتعريف بكل منافع ومضار استخدام القوى النووية، هذا الإعلام يجب أن يكون قائما على الحقائق الكاملة، بسبب أن المعرفة بالشيء تقود بدورها إلى الرضا الذاتي بالمخاطر المعينة خاصة عندما يتأكد الناس أن المنافع تفوق الأخطار.

قال: لنبدأ في معرفة ما هي الاستخدامات التطبيقية للإشعاعات والنظائر المشعة أو ما يسمى باستخدام الذرة في الأغراض السلمية؟

قلت: في هذا العصر اتسعت مجالات الاستخدامات التطبيقية للإشعاعات والنظائر المشعة أو ما يسمى باستخدام الذرة في الأغراض السلمية، بحيث شملت هذه الاستخدامات مجالات شتى كالزراعة والصناعة وكذلك الطب والتعدين. كما امتدت تلك الاستخدامات لتشمل نواح أخرى مثل دراسة البيئة وتحديد أعمار الصخور والآثار والكشف عن الجريمة وغيرها.

قال: تقول شملت مجال مثل الزراعة مع العلم بأننا لا نريد تلويث النباتات بالمواد المشعة

قلت: نعم، تشمل مجال الزراعة فقد ذكر محمد فاروق أحمد وأحمد السريع في نشرة صدرت عن الندوة العالمية لاستخدامات وتكنولوجيا الإشعاعات المؤينة عام 1982م أن للإشعاعات المؤينة (تشمل الأشعة السينية وأشعة جاما والإلكترونات وجسيمات ألفا والنيوترونات.... الخ) والنظائر المشعة حاليا استخداما واسعا في عدة مجالات زراعية وفي عمليات حفظ المحاصيل الزراعية. ومن أهم تلك المجالات استخدامها في مقاومة الآفات الزراعية والحيوانية وذلك بتعقيم ذكور الحشرات الزراعية بأعداد كبيرة بتعريضها لجرعات إشعاعية عالية، ثم يتم إطلاقها بعد التعقيم لتنافس الذكور الغير معقمة على الإناث الموجودة في المنطقة الموبوءة. وكل أنثى لقحت من أحد تلك الذكور المعقمة يكون بيضها غير مخصب وبالتالي لا يفقس هذا البيض، وبتكرار إطلاق أعداد من تلك الذكور المعقمة تقل كمية الحشرات في المناطق المعالجة، وقد نجح سابقا في القضاء على ذبابة الدودة اللولبية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ذبابة الفاكهة في جزيرة كابري بايطاليا ويجري حاليا محاولات للقضاء على ذبابة تسي تسي المسببة لمرض النوم في إفريقيا وذلك باستخدام تلك الطريقة. كما تستخدم في إحداث تغييرات وراثية للمحاصيل مثل الأرز والذرة والشعير والبقوليات بحيث تغير بعض الخصائص التي بدورها تؤدي لزيادة الإنتاج أو إنتاج بذور ذات مقاومة عالية للأمراض وللتقلبات الجوية. كما استخدمت كذلك في تحديد طرق وأزمنة التسميد للنباتات وكذلك في منع أو تقليل التلف الناتج عن تخزين المحاصيل.

قال: يقولون لا توجد في الوقت الحالي صناعة كبيرة إلا وتقوم في جزء من أجزائها على استدام الإشعاعات والمصادر المشعة.

قلت: هذا صحيح، فالمصادر المشعة والإشعاعات المؤينة تستخدم في عدة مجالات صناعية مختلفة، وتلك الاستخدامات إما لتحسين نوعية تلك المنتجات أو لإجراء فحص الجودة عليها دون تكسير المنتج. مثل تتبع الأثر فعند إضافة كمية صغيرة من نضير معين وتتبع أثره في عدة عمليات صناعية لدراسة معدل السريان للهواء أو السوائل وكشف التسرب. كما يستعمل مصدر مشع معين لإشعاعات جاما في اختبار الأنابيب المستخدمة لخطوط أنابيب الزيت والغاز. كما تستخدم في التصوير الإشعاعي بالنيوتورنات وكذلك في عمليات اللحام وقطع المعادن السميكة وفي صناعة المطاط ولحامه، كذلك في الصناعات الكيماوية مثل البلاستيك والألياف الصناعية والنسيج الذي لا يمتص الماء والذي يتميز بمقاومة عالية للحرارة، كما تدخل أيضا في صناعة تحسين خصائص الأخشاب وإكسابها درجات معينة من القساوة، بالإضافة إلى استعمالها في الطلاء بحيث يصبح سطح الخشب غير قابل للخدش ولا يتأثر بالحرق.

قال: هل صحيح ما نسمعه من أن النظائر المشعة تدخل في صناعة ما يسمى بالبطاريات الكهربية النووية وما هي أوجه استخدام تلك البطاريات وهل تشكل خطرا على صحة من يستعملها

قلت: هذا صحيح فهناك بطاريات لا يزيد وزنها عن 30 جرام تستعمل كمصدر تغذية لجهاز تنظيم ضربات القلب الذي يغرس في جسم الإنسان لتنظيم ضربات قلبه. كما تستعمل حاليا بطاريات مشابهة تصل أعمارها لعشرات السنين دون الحاجة إلى أي نوع من الصيانة أو الشحن في الأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية.

قال: هل صحيح أن الاستخدام الأكبر للإشعاعات والمصادر المشعة هو في المجال الطبي.

قلت: نعم هذا صحيح، فهناك تطور كبير في استخدام الإشعاعات والمصادر المشعة في الطب سواء في مجال التشخيص أو العلاج. فمثلا تستعمل لإنتاج اللقاحات المختلفة والتي تستعمل لوقاية الحيوانات أو الإنسان من العديد من الأمراض الفتاكة. وكذلك توجد طرق عديدة تستعمل في تشخيص العديد من الأمراض مثل فحص الغدد والأوعية الدموية والكلى والقلب والأمعاء والرئة وفحص الكبد والبنكرياس والمخ. كما يستخدم اليود المشع في عدة مجالات طبية بجانب أن هناك طرقا تحليلية نووية لقياس الهرمونات والإنزيمات والفيروسات وغيرها بدون تعرض جسم المريض لأي درعة إشعاعية حيث تجرى تلك الفحوص في المعامل على عينات تؤخذ من الإنسان. ومن أهم استخدامات النظائر المشعة والإشعاعات علاج بعض الأورام السرطانية وكذلك في علاج اللوكيميا (سرطان الدم).

قال: سمعنا عن التلوث الإشعاعي ومع ذلك نجد أن الإشعاعات تستعمل في التعقيم فكيف يكون ذلك.



aazk09@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد