Al Jazirah NewsPaper Thursday  30/04/2009 G Issue 13363
الخميس 05 جمادى الأول 1430   العدد  13363
أريد أن أصبح طبيباً يا أبي
د. حامد بن مالح الشمري

 

أخبرتُ الأستاذ يا أبي بأني أريد أن أصبح طبيباً مشهوراً أعالج الناس.. أما زميلي أحمد فقد قال إنه يريد أن يصبح مهندساً كيميائياً في شركة كبيرة.. أحد زملائي فضل أن يصبح أستاذاً جامعياً مثل والده، أما محمد فقد فضل أن يصبح رجل أمن يحمي ويصون أمن وطنه..

.. بينما زميلي إبراهيم سيتجه للعمل الحر ويبدأ حياته بمشروع استثماري.

قل إن شاء الله يا بني وأسأل الله أن تتحقق أمنياتكم واجتهد أنت وزملاؤك وكونوا على ثقة أن الله لن يضيع تعب أي مجتهد.

بهذه الكلمات انتهى الحديث بين الفتى ووالده، حيث غادر الابن إلى غرفة نومه يحمل آمالاً عريضة وأحلاماً وردية، بينما حلق بوالده التفكير ملتمساً ما يبدد قلقه على مستقبل ابنه وزملائه ويجيب على تساؤلاته في ظل ما يعيشه مجتمعنا من تحديات طالت العديد من مناحي الحياة. تساءل الرجل: هل سيتمكن ابني من الحصول على مقعد دراسي في تخصص جامعي مرغوب في سوق العمل؟.. وبعد حصوله على الشهادة الجامعية فهل سيحصل على فرصة عمل تكفل له الاستقرار النفسي والوظيفي وتفي بمتطلبات الحياة التي يتزايد لهيبها يوماً بعد يوم؟.. ماذا لو أخفق -لا سمح الله- هل سيجد طريقاً لتخطي مصاعب الحياة مع وجود هذا التكدس والكم المتزايد من العاطلين والعاطلات من خريجي الجامعات والكليات التقنية والمعاهد ناهيك عن حملة الثانوية العامة؟!.. انسَ يا رجل هذه الأفكار التي تصدع رأسك، فالمستقبل والرزق بيد الله ثم إن عدد الجامعات قد تضاعف كثيراً وافتتحت العديد من الكليات والمعاهد بالمحافظات والمدن بالإضافة إلى ابتعاث آلاف الطلاب للخارج ونسمع بأن هناك توسعاً في برامج التوظيف الحكومي والخاص، وهناك مشاريع ومدن اقتصادية ضخمة أعلن عنها ودشّن البعض منها في العديد من مناطق بلادنا، تبلغ حجم استثماراتها بآلاف الملايين، وسوف توفر كمّاً هائلاً من الفرص الوظيفية ولسنوات طويلة، وعلى غرار ما تعلنه الدول الغربية والشرقية عندما يتم الإعلان والطرح للمشاريع الاقتصادية، حيث يتم إيضاح أن هذا المشروع أو ذاك سيوفر على سبيل المثال (20.000) وظيفة مضمونة ولمدة (5-10 سنوات)، كما أن برامج الضمان الاجتماعي هي الأخرى في توسع مستمر وربّما تشمل -مستقبلاً- شرائح إضافية وخصوصاً فئة الشباب العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى المؤسسات والجمعيات الخيرية والتعاونية التي تقدم المساعدات للأسر المحتاجة. اطمئن يا رجل فالأمور طيبة ولا تقلق.. يا الله.. كم هذه الأمور مفرحة ومبهجة لكل أفراد مجتمعنا.. نعم يا بني يحق لك ولأقرانك أن تحلموا وأسأل الله أن يديم علينا النعم وأن نكون من حسن إلى أحسن في ظل قيادتنا الرشيدة التي لا تألو جهداً في العمل على كل ما يصب في مصلحة المواطن.

استطرد محدثاً نفسه: لا تنس بأن هناك خططاً وبرامج تدفع بالشباب والأسر للعمل والإنتاج والاعتماد على النفس بعيداً عن تقييدهم في دائرة ضيقة من الاتكالية والاعتماد على المعونات والمساعدات من هنا وهناك!! أيضاً هناك قروض تهدف لإيجاد أسر منتجة من خلال العديد من الصناديق غير الربحية وكذلك تسهيلات من البنوك والجهات الأخرى ذات العلاقة، تفتح الطريق أمام المواطن للعمل والاستثمار.. كما توجد أنباء جيدة حول برامج سعودة الوظائف وفق برامج منظمة وصارمة مع مضاعفة الرقابة والمتابعة الدقيقة من قبل الجهات ذات العلاقة على الشركات والمؤسسات للوفاء بالتزامها نحو توفير فرص وظيفية مغرية ومحفزة للشباب للعمل في القطاع الخاص. لا تقلق ولا تدع مخاوفك تذهب بك بعيداً.. فالدولة أيدها الله تضرب بيد من حديد على يد كل من يحاول المساس بأمن واستقرار ورفاهية المواطن وتسعى جادة لحفظ أغلى ما تملكه أي أمة ألا وهم الشباب وتوجيههم والاستفادة منهم بالشكل الصحيح وأيضاً تسعى وبكل قوة للقضاء على أوجه الفساد الإداري ليصبح مجتمعنا سليما معافى من هذه الآفة ويسير بخطى ثابتة على طريق التنمية الشاملة المتوازنة وفي مقدمتها تنمية الإنسان والمكان.. ولنا في التجارب الناجحة لبعض الدول مثل دولة ماليزيا خير شاهد، حيث تمكنت من القضاء على كافة أوجه الفساد الإداري والمالي وتنمية المورد البشري وتعظيم الفائدة من الموارد الطبيعية كما استطاعت أن تجمع كافة أطياف المجتمع الماليزي في بوتقة واحدة والدفع بهم بقوة نحو تنمية مؤسسية شاملة وأصبح مجتمعهم يعمل يداً واحدة وصوتاً واحداً من أجل ماليزيا حباً وولاءً، فما بالنا ونحن في بلادنا أسرة واحدة بعد أن وحد هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله-.

التفت الأب منتشيا فإذا بعدد من الصحف المحلية إلى جانبه، فضل أن يتصفحها ليقطع حبل أفكاره مستعرضاً بعض العناوين: (عشرات الشباب يتسابقون على وظيفة شاغرة بإحدى الجهات بمسمى عامل نظافة من بينهم جامعيون). (شركة تفصل موظفيها دون أسباب واضحة ويتقدمون لجهة الاختصاص). (سبعة ملايين وافد في بلادنا تبلغ قيم تحويلاتهم المالية للخارج أكثر من 100 مليار ريال). (خريجون وخريجات ينتظرون التعيين منذ عدة سنوات). (القبض على متسولون في إحدى مناطق المملكة من بينهم جامعي سعودي). (القبض على وافدين يروجون ممنوعات). (ارتفاع عدد السرقات والإدمان والانحرافات السلوكية من قبل الشباب). (تجمع أعداد كبيرة من الشباب لمشاهدة المفحطين نجم عنها إصابات ووفيات). (الحوادث المرورية تحصد أرواح آلاف المواطنين). (مشروعات اقتصادية وخدمية وصحية وتعليمية ضخمة في كافة مناطق بلادنا بآلاف الملايين) (تزايد في معدلات البطالة!!). (وافدون يسيطرون على معظم الأسواق المحلية في بلادنا) (حالات التستر التجاري في تزايد).. (مواطنون يؤكدون على تأثير يوم 25 على نفسيات الأسر.. وأمهات يقلن: الابتسامة شعارنا خلال الأيام الخمسة الأخيرة من الشهر). (أعداد من الأسر تعاني الفقر). (حالات إغماء بين صفوف المراجعين للضمان وبنك التسليف).

أغلق الصحف ووضعها جانباً. وتمتم قائلاً: الله يستر.. يبدو أن أحلام ابني وأقرانه سوف تبقى مجرد أحلام، ويبدو أن هموم وقضايا مجتمعنا أكبر وأصعب من طموحات وأماني ابني وزملائه.

تعليق: يدرك ويقدر الجميع حرص وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- لمختلف الجهات المختصة لمعالجة كل هذه السلبيات ووضع الحلول الناجعة لها، كما يدرك الجميع ما يملكه -أيده الله- من محبة وإخلاص وإرادة حازمة لتحقيق كل ما من شأنه راحة وطمأنينة ورفاهية أبناء شعبه، فهاجس الأمانة موجود في فكر واهتمام ملك الإنسانية تجاه أبناء شعبه قاطبة وبلا تفرقة، فالمواطن محل الاهتمام دائماً باعتباره وسيلة التنمية ومقصدها، والشباب هم الأدوات الرئيسة لتحقيق ذلك، ولا شك بأنه في حال عدم اقتران التوجيهات والخطط والميزانيات بتفاعل جاد من الجهات المعنية بالصورة المثلى كل حسب اختصاصه وترجمة المضامين الجوهرية للتوجيهات السامية لسياسة الإصلاح الاقتصادي والخدماتي والمالي إلى برامج عمل واقعية تظهر نتائجها على الوطن والمواطن سوف يؤدي إلى هدر للجهود والإمكانيات المالية والبشرية ويحد من الاستفادة من تلك البرامج والإجراءات التصحيحية التي رسمتها الدولة ويقود إلى تضاؤل فائدتها مما سوف يشكل معوقاً حقيقياً من أمام مسيرة التنمية بكافة جوانبها.



Riyadms2@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد