قول الرئيس الإيراني أحمدي نجاد: (إنه لن يمنع الفلسطينيين من الاعتراف بالدولة العبرية في إطار حل إقليمي على أساس دولتين) ليس زلة لسان، أو واحداً من أقواله التي يطلقها بين الحين والآخر، فالقول يكشف تفكير إيران الرسمي في زمن الملالي تجاه تعاملهم مع التابعين لهم سواء من الفلسطينيين أو اللبنانيين أو العراقيين، فالرئيس الإيراني بقوله هذا (يفضح) علاقة التبعية بين نظام طهران وبين حلفائهم الصغار من العرب الذين ارتضوا الوقوع في (الحضن الإيراني)، ومن هؤلاء الحلفاء الذين يتبعون خط (الولي الفقيه) فصيلان من فصائل المقاومة الفلسطينية يعرفهما الفلسطينيون تماماً، ويشخصهما العرب وكل من يهتم بالقضية الفلسطينية.. وهذان الحليفان من الفلسطينيين اللذان ظلا وما زالا يرفضان كل ما ترفضه طهران، وهو ما أوجد الفصام والفراق بين هذين الفصيلين وبين باقي الفصائل الفلسطينية التي تحاول أن تبقي القرار الفلسطيني مستقلاً.
تبعية الفصيلين الفلسطينيين أدخلتهما في متاهات وفرض عليهما اتخاذ خيارات جلبت الويل والمآسي للشعب الفلسطيني، وآخرها التعرض للعدوان الإسرائيلي الأخير انتقاماً لعمليات إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وقبل ذلك السيطرة على القطاع بعد طرد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية. وتنفيذ حركتي حماس والجهاد رغبات نظام طهران والتحالف معه ضد شركائهما من الفصائل الفلسطينية، أدى إلى تعطيل كل التفاهمات والاتفاقيات التي توسط من أجل تحقيقها وإبرامها الأشقاء العرب.. إذ كانت تعليمات طهران تطالب بإبقاء الوضع على حاله من الانشقاق والتحارب، بل حتى الانفصال بين غزة ورام الله، لأن طهران تريد أن تؤكد للقوى الدولية التي تتفاوض معها وتسعى لعقد صفقات لصالح مشروعها الإقليمي، أن مفاتيح الاستقرار والسلام في المنطقة العربية وحتى في أفغانستان بيد طهران.. وللأسف الشديد استطاعت طهران بناء طابور خامس واختراق الصف العربي لتأكيد هذا القول؛ فلديها حلفاؤها في فلسطين الذين يأتمرون بأوامرها، كما هو الحال في لبنان وفي العراق، وهؤلاء الحلفاء خدموا الإستراتيجية الإيرانية وأمدّوا المشروع الإيراني بأنياب لجعله قابلاً للمقايضة، ووضعه على طاولة التفاوض مع القوى الدولية والحصول على مكتسبات لصالح مشروع الدولة الصفوية (دولة ولي الفقيه) التي يعمل لها نظام الملالي في إيران، وقد تكشفت كثير من خيوط اللعبة التفاوضية، وبدأ الإيرانيون يكشفون (أوراق لعبهم) من خلال استثمارهم القضايا العربية والأفغانية.
فمن خلال قول أحمدي نجاد يكشف الإيرانيون ورقة التفاهم مع أمريكا لإعطاء موافقة (إيرانية) على تحريك حل الدولتين. ومثلما أبدت طهران استعدادها لدعم الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان وقبل ذلك في العراق، فها هو نجاد (يشعل) الضوء الأخضر لدعم التحرك الأمريكي لتحقيق التسوية بين فلسطين وإسرائيل من خلال صفقة تحقق لنظام طهران العديد من المكاسب وتقربه من تحقيق مشروع الدولة الصفوية على حساب العرب، من خلال منح طهران دوراً إقليمياً بالمنطقة، وهذا ما يفرض على نظام طهران تقديم الثمن الذي سيكون على حساب الحلفاء الصغار من الفلسطينيين واللبنانيين مثلما تم ذلك في العراق.