في مجلس ضم بعض الأصدقاء بادرني أحدهم قائلاً: إنني متابع لما تكتب وخاصة المواضيع البيئية ولاحظت أنك لم تكتب عن التلوث الإشعاعي، وحبذا لو تكتب عن هذا الموضوع، قلت له، اسألني ما تريد أن تعرفه. فبدأ الحديث قائلاً: ماذا يعني التلوث الإشعاعي؟.
قلت: هناك تلوث يسمى التلوث الإشعاعي أو النووي أو الذري، ويقصد بالتلوث الإشعاعي وجود مادة مشعة إما في مادة أخرى ويسمى التلوث الإشعاعي الراسخ أو على سطحها ويسمى التلوث الإشعاعي غير الراسخ.
قال: تقولون مادة مشعة هل لتلك المواد المشعة أسماء وهل لها تقسيمات من حيث خطورتها.
قلت: أولاً يجب أن تعرف أن لكل عنصر من العناصر عددا من النظائر قد تصل أحياناً إلى خمسين نظيرا للعنصر الواحد. بعض نظائر العنصر مستقرة ولا تتفكك، في حين أن يكون بعضها الآخر غير مستقر، ويتفكك مصدراً جسيمات نووية مثل جسيمات ألفا وبيتا، ويقال عندئذ أن هذا النظير مشع أي أنه يتميز بخاصية النشاط الإشعاعي. ومع أن ذكر أسماء تلك المواد أو النظائر المشعة ليس له داع، لأن ذلك لا يهم إلا ذوي الاختصاص، لكن مع ذلك سأذكر لك بعضا منها باختصار شديد تبعاً لقوة سميتها الإشعاعية فمثلاً هناك مجموعة من النظائر عددها حوالي اثني عشر نظيرا ذات سمية إشعاعية عالية جداًمنها البلوتونيوم 238 والراديوم 228 واليورانيوم 230 و 232 و 233 و 234 والثوريوم 227 و 228 و 230 وغيرها، كما أن هناك حوالي خمسة وثلاثين نظيرا مشعا لها سمية اشعاعية عالية منها السيزيم المشع 134 و 137 والاسترونشيوم 89 و 90 وغيرها، كما يوجد 73 نظيرا ذو سمية إشعاعية متوسطة مثل الرادون 220 و 223 وغيره، وخمسة وعشرون نظيرا ذو سمية إشعاعية ضعيفة مثل الأرجون 37 المشع وغيره. ويمكن الرجوع لكتاب تصنيف النظائر المشعة الصادر عن اللجنة الدائمة للوقاية من الاشعاعات بجامعة الملك سعود أو من النشرات الصادرة عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا لمعرفة المزيد من تلك النظائر.
قال: أدخلتنا في متاهات علمية بحتة لا يعرفها الناس ولا يريدون معرفتها.
قلت: الثقافة العلمية مطلب لنا، أما كلمة لا يعرفها الناس ولا يريدون معرفتها فهذا غير صحيح لأن بعضهم لديهم ثقافة علمية يريدون تنميتها، كما أن الغالبية من الناس يريدون معرفة تلك الأمور العلمية، ولذلك يجب طرح وتوفير تلك المعلومات لهم، حتى يقبل الناس على معرفة العلوم ولغتها والتبحر فيها لنصبح مجتمعاً علمياً إن شاء الله. وثقافة الأشخاص اليوم يجب أن تكون ثقافة علمية بجانب الثقافة الأدبية، كما يجب أن نساعد في انتشار الثقافة العلمية لتتعدى حدود الثقافة الكروية التي تفرضها وسائل الإعلام كافة، يجب أن يبدأ شباب اليوم التفكير بعقولهم، لتحديد مصائرهم في عصر شحت فيه بعض الموارد، لا أن يكون تفكيرهم فقط منصباً على ما تفعله الأقدام. نحن في عصر لا تعرف الحروب فيه استعمال الحصان والسيف. نحن في عصر الصواريخ النووية العابرة للقارات والليزر وغيرها، نحن في عصر كثرت فيه الذئاب من حولنا. وللأسف إسرائيل لديها مفاعلات نووية يمكن أن ينفجر أحدها في أي وقت، كما نسمع عن محاولات إيران لتخصيب اليورانيوم وخطر ذلك على الخليج.
قال: اتركنا من الحديث عن السياسة ولا تكدر على الغالبية في الوطن العربي نومهم العميق، ولنرجع لموضوعنا، ولنبدأ بمعرفة كيف نمنع حدوث التلوث بالمواد المشعة أو دخولها الجسم؟
قلت: يجب اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع حدوث التلوث بالمواد المشعة أو دخولها للجسم وذلك بوضع العلامات المميزة لوجود مواد مشعة في مكان ما والكشف عن وجود أي تلوث بها وسرعة إزالة هذا التلوث والتخلص من المواد والنفايات المشعة، لأن الضرر يتمثل في إمكانية انتقال المادة المشعة من السطح الموجود عليه لأي شيء يلامسه أو يحتك به، أو أنه يتطاير في الجو، بحيث يلوث الهواء في الموقع الذي يوجد به هذا التلوث، ثم بالتالي ينتقل لجسم الكائن الحي سواء كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا إما عن طريق الفم والجهاز الهضمي أو الاستنشاق عن طريق الجهاز التنفسي أو عن طريق الجروح الجلدية إذا وجدت أو عن طريق الامتصاص بالنسبة للنبات.
أي أن وجود تلك المادة المشعة غير مرغوب فيه أصلا، حيث قد ينتج عن وجودها أضرار، ولذلك فالتلوث قد يكون تلوثا للأشخاص أو المعدات والأجهزة بكافة أنواعها أو تلوث كل البيئة المحيطة سواء الهواء الذي نستنشقه أو الماء الذي نشربه أو نستعمله في الزراعة أو التربة أو تلوث ما يحيط بنا من مبان وطرق وأرضيات وزراعة وغير ذلك، ويجب ألا يتعدى حدود التلوث الإشعاعي قدرا معينا.
قال: لماذا توقفت، ما هي الحدود لذلك التلوث وكيف يمكن تقديرها؟
قلت: تلك معلومات يعرفها المتخصصون، سأذكرها بإيجاز، حدود هذا القدر يقاس بما يسمى وحدة بكرل لكل سم مربع. ولذلك يجب ألا يتعدى الحد الأقصى للتركيز من مشعات الفا عالية السمية 0.4 بكرل لكل سم مربع بالنسبة لأنواع السطوح الملوثة مثل الأجهزة والمعدات والمعاطف والملابس الشخصية. أما الجلد والأطراف فيجب ألا يتعدى 0.2 بيكرل.
قال: إذا تحدثنا عن التلوث بالإشعاع تبادر إلى الذهن التفجيرات النووية وأنها هي التي تسبب تلوث الهواء بالمواد المشعة في العالم.
قتل: نعم، تعتبر التفجيرات النووية الجوية أثناء سباق التسلح النووي قديما في الخمسينيات والستينيات مصدرا لذلك التلوث الجوي، وهل تصدق أنه حتى الآن أجريت العديد من التفجيرات النووية في الجو بلغ عددها أكثر من 450 تفجيرا، كما بلغ عدد التفجيرات النووية تحت الأرض 1000 تفجير نووي منذ عام 1963م. وقد بلغت قوة تلك التفجيرات 625 ميجا طن. وإذا قارنا ذلك مع ترسانة الأسلحة النووية في العالم التي يبلغ عددها أكثر من 40.000 رأس (أربعون ألف رأس نووي)، لها قدرة تدميرية تبلغ 13000 ميجا طن. حسب ما ذكره محمد فاروق احمد في مقال نشر في مجلة العلوم والتقنية.
قال: تريد أن تنبه وتقول إلى أن ما يوجد مخزونا في الترسانات النووية للدول العظمى في يومنا هذا في العالم من رؤوس نووية قوتها التدميرية أضعاف أضعاف ما فجر سابقا أثناء التجارب النووية منذ بداياتها.
قلت: نعم بارك الله فيك، هذا صحيح. ولذلك يجب إيقاف تلك التجارب النووية إيقافا تاما حتى لا يكون هذا السباق وبالا وسببا في القضاء على البشرية جمعاء. ولا تنسى أنه بالأمس القريب فجرت فرنسا والصين والهند وباكستان تفجيرات نووية تحت الأرض. وأن دولا مثل إسرائيل ليس لها رادع تصنع قنابل نووية، والخوف من حدوث حروب نووية مستقبلا في منطقتنا لا قدر الله وما قد تسببه تلك التفجيرات من دمار شامل بجانب تلوث للجو بالمواد المشعة التي قد يسبب احتمال الإصابة بالسرطان أو في الإصابة بأمراض وراثية لأبناء أو أحفاد المتعرض أو أجياله التالية في المنطقة.
قال: إن شاء الله وقت الحروب النووية قد ولى والخوف من مخاطر تلك الحروب قد ولى أيضا.
قلت: ليس هناك شيء يسمى قد ولى فنحن لا نعرف ما يخبئه القدر، كما لا تستغرب عما يمكن أن يحدث مستقبلاً، عند ابتزاز بعض الدول وتهديدها من قبل دول أخرى لديها قنابل نووية. والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
قال: المهم إن شاء الله لا يوجد حالياً تلوث نووي.
قلت: التلوث النووي موجود، فلا تنسى أنه بجانب التلوث النووي الناتج عن تلوث الجو بالإشاعات النووية نتيجة التجارب النووية هناك تلوث نووي نتيجة لحوادث المفاعلات النووية خاصة ما نسمعه من وقت لآخر عن انفجار في أحد المفاعلات النووية القديمة.
قال: هل تعني مثل حادثة تشرنوبل في روسيا عام (1986م).
قلت: نعم هذه كانت آخر الحوادث الكبيرة التي تعرض لها مفاعل نووي على ما أذكر، وسابقاً حدثت حوادث متعددة سببت تلوثاً لأجواء العالم منها الحادثة المسماة كيشيتم عام 1957م التي حدثت في مصنع حكومي، في جنوب جبال الأورال بروسيا لإعادة المعالجة، وكذلك حادث مفاعل وندسيكل عام 1957م بالمملكة المتحدة، وحادث مفاعل ثري مايل أيلند بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1979م، بجانب حادث مفاعل تشرنوبل بأوكرانيا عام 1986م الذي ذكرت.
قال: هل تأثير هذه الحوادث يقتصر على البيئة المحيطة بتلك المنشآت.
قلت: هذه الحوادث النووية لوثت أجواء العالم، ولا يقتصر تأثيرها على البيئة المحيطة بها وإنما يمتد هذا التأثير إلى حدود بعيدة تصل إلى عدة آلاف من الكيلومترات. وتلعب الظروف المناخية مثل سرعة واتجاه الرياح والأمطار دوراً كبيراً في انتشار وتساقط المواد المشعة التي نتجت عن تلك الكوارث في كل مكان على سطح الأرض ولكن يتفاوت تركيز تلك المواد المشعة المتساقطة على الأرض تفاوتاً كبيراً من مكان لآخر حسب الظروف. تلك المواد المشعة بعد سقوطها تدخل التربة ويمتصها النبات ليصبح ملوثاً وعندما تتغذى عليه الماشية، والذي بدوره يلوث الألبان ومشتقاتها واللحوم وغير ذلك.
قال: أعتقد أن هناك حوادث نووية أخرى ليس لها علاقة بالمفاعلات النووية لم تذكرها.
قلت: نعم هناك حوادث نووية نتجت إما عن تصادم طائرات تحمل رؤوسا نووية مثل حادثة تصادم طائرتين حربيتين تحملان قنبلتين هيدروجينيتين في منطقة بالوماز في إسبانيا عام 1966م والذي أدى إلى احتراق القنبلتين مما سبب تلوث الأرض بشدة نتيجة انتشار المواد النووية المصنوعة منها القنابل على منطقة واسعة من الأرض وتأثر التربة والمياه الجوفية والماشية، وتعرض الكثير من البشر بطريق مباشر أو غير مباشر لمخاطر التلوث. كما وقعت حادثة تصادم لطائرة تحمل أربع قنابل نووية في منطقة تول في جرينلاند عام 1968م، مما سبب انفجارات على الجليد تسبب أيضاً في تلوث المياه بعد ذوبان الجليد، وبالتالي تأثرت الثروة السمكية والطيور المهاجرة الموجودة في المنطقة، وقد يمتد تأثير ذلك لمئات السنين على البيئة. هذه بعض المعلومات المذكورة لكن المعلومات غير المذكورة الله أعلم بها.
قال: تحدثت عن حوادث تصادم الطائرات الحاملة للقنابل النووية، لكن ماذا عن حوادث الأقمار الصناعية.
قلت: ما شاء الله، تعرف خطر الأقمار الصناعية، لأن تلك الأقمار تحمل مواد مشعة تستعمل في توليد الطاقة لها، لذلك إذا تعرض أحد تلك الأقمار لحادثة، أدى ذلك لحدوث تلوث نتيجة احتراق تلك الأقمار. وخير مثال على ذلك احتراق القمر الصناعي عام 1964م، وكذلك سقوط قمر على ساحل ولاية كاليفورنيا عام 1968م وقمر صناعي آخر عام 1970م في مياه المحيط الهندي، تلك الأقمار تستخدم مادة مشعة في توليد الطاقة له، مما أدى إلى انتشار تلك المادة المشعة في طبقات الجو العليا وتساقط المواد المشعة بعد ذلك على الأرض.
قال: هذه حوادث كبيرة عالمية لا تهمنا في المملكة فنحن- ولله الحمد- لا نتعامل مع تلك المفاعلات أو الأقمار الصناعية ولا نصنع قنابل نووية أو هيدروجينية وليس لدينا طائرات أو صواريخ تحمل رؤوسا نووية.
قلت: بعض ما تقول صحيح، لكن لا تقول لا تهمنا في المملكة، لأن المملكة ولأن منطقتنا كلها تتأثر بتلك الحوادث الإشعاعية العالمية بسبب أن الرياح قد تنقل تلك الملوثات لأجوائنا أو قد يستورد تجارنا منتجات غذائية ملوثة بتلك الإشعاعات.
قال: تساؤلي هل هناك حوادث صغيرة حدثت عن طريق الإهمال.
قلت: نكمل ذلك فيما بعد إن شاء الله.
Aazk09@gmail.com