يَعدُ سمو رئيس هيئة السياحة والآثار بمشاريع إستراتيجية كبرى تعمل الهيئة على البدء في تنفيذها بعد أن استوفت مراحل وإجراءات الدراسة والتخطيط لها.. وبدا من حديث الأمير سلطان بن سلمان أنه مسئول تنفيذي واع بأبعاد ومسؤولية ما يتحدث عنه.. ومدرك كذلك لأهمية قضية صناعة السياحة.. بأصولها المهنية والوظيفية التخصصية..كان واقعياً في حديثه.. لا يعدم المستمع والمشاهد له.. إدراك إلى أي حد هو الأمير ممتلئ باليقين بمستقبل هذه الصناعة.. في بلاد لم تألف ثقافتها ولا بناها التنموية الكبرى ولا رؤى رجال أعمالها.. ما يشجع على المضي في هكذا اتجاه... بالرغم من أن الهيئة أنجزت وإن على صعيد الرؤى والتصورات.. والبنى النظرية.. ما يمكن أن يُطمَأن إليه في هذا الشأن..
**.. وأعتقد أن المعضلة التي تعترض تطلعات رئيس هيئة السياحة والآثار.. هي أنه يعمل بمعزل عن إطار نشاط ومخرجات أجهزة حكومية أخرى من شأن تكامل أدوارها مع هيئة السياحة أن يحقق لبلادنا مستقبل سياحي واعد.. كالذي يتحدث عنه الأمير.. وقد استدعى حديثه أجهزة ومؤسسات ليس من بينها (التربية والتعليم وهيئة الأمر بالمعروف) وجهات أخرى ذات علاقة.. بالرغم من أنها مؤسسات حكومية.. تتماس طبيعة عملها مع عمل هيئة السياحة ونشاطها..
** فنحن بحاجة إلى بلورة برامج تعليمية وتربوية يفهم الجيل من خلالها معنى أن تكون بلاده أحد أهم وجهاته/ خياراته السياحية.. وليس شرطاً أن تكون الوحيدة.. وأن يتعلم ويفهم قبل ذلك..أنها كذلك للآخرين.. فيتمرس على التعامل اللائق معهم.. يتعلم أبعاد أن تكون بلاده من مقاصده السياحية المهمة.. بعيداً عن (الكلام المثالي) الناعم الغير حقيقي.. كالذي تعلمناه في سنوات دراستنا.. عن مدن سياحية تجد فيهل كل شيء إلا السياحة بمعناها الثقافي والترفيهي والاقتصادي.. مدن.. تشعرك بالغربة والحسرة في آن.. تعاني من أزمة خدمات.. تبدأ بالصرف الصحي ولا تنتهي بعقلية التعامل مع السائح بقانون (الحراج).. فليس ثمة نظم تعامل تحكم العملية وتوجهها.. أو برامج معلنة باستطاعتك اختيار ما يناسبك أو يروقك منها.. ناهيك عن الافتقار إلى أدنى مقومات السياحة.. مدن غارقة في معارض الاستهلاك والتسوق.. كتعبير واحد ووحيد عن فهمها للسياحة..!
** هذا الجيل ليس كجيلنا.. فالعالم مفتوح أمامه والوسائط المتعددة تفتح أمامه آلاف الخيارات.. فكيف نغرس فيهم الثقة بحقيقة وجود سياحة في بلادنا.. كيف نوفر لهم سياحة توازي في مستوى خدماتها ورفاهيتها وحرصها الحقيقي عليه.. كالذي يشاهده في إعلانات التلفزيون.. ويعاينه ويعيشه أنى شرَّق أو غرَّب........ جيل تتنازعه (إعلانات هزيلة) لصيف مدن حارة.. كل إعلان منها يقول أنا الأحسن.. ولا يعدو أن يكون مناسبة تسوق جاف.. وإغراء كاذب بقهر الصيف.. والتنعم بالجو البارد -(الذي اختزل فيه مفهوم السياحة)- على افتراض توفره أيضاً!
** هذا الجيل سيزامن قيام (مشاريع سياحية) عملاقة كالتي تحدث عنها الأمير.. فما آلية ارتباطه المبكر بها..بوصفها مستقبل تنموي وثقافي وطني مغاير.. وبوصف الجيل كذلك ضمن أهدافها الإستراتيجية.. فهو القاعدة المجتمعية والتمثل القادم للغد..
** أما هيئة الأمر بالمعروف.. كمؤسسة رسمية محكومة بمسؤوليات ومخولة بصلاحيات.. تمارس عبرها نشاطها الذي لا ينكر أهميته وجدواه أحد.. فأظن بعض كوادرها بحاجة إلى برامج تدريبية مشتركة مع هيئة السياحة.. حتى لا يُعامل السائح كما تُعامل العمالة لدينا - أحياناً- الذين يودعون صالون الهيئة بذنب التأخر عن صلاة الجماعة.. وأعتقد أن أعضاء الهيئات وغيرهم من الجهات التي يتماس عمل كوادرها مع الناس بحاجة إلى تأهيل نظري ووظيفي ليكونوا بحجم اتجاه الدولة للسياحة كمرفق استثماري بالغ الأهمية.
** وأظن هيئة السياحة والآثار.. بحاجة إلى استصدار ضوابط نظامية صارمة.. تؤسس لمفهوم حضاري في التعامل مع السائحين.. حتى تكون بلادنا وجهة سياحية جاذبة.. لا طاردة.. بسبب تصرفات فردية غير مسؤولة.. وبمناسبة الفردية.. فقد أضحى مصطلح (تصرف فردي) مشجباًً/ وأحياناً مسوغاً غير مقبول لاتجاهات جماعية/ لا فردية.. بحاجة إلى فرز وتقويم ومعالجة.. حتى نكون على ثقة بما نوفره للسائح والزائر من إمكانات.. تعكس وعينا ورقينا الحضاري والتزامنا بجوهر ديننا الداعي إلى التسامح واحترام الإنسان.