إن المستشارين والخبراء الذين يرسمون الخطط في عالمنا الإسلامي يحملون أمانة عظيمة لها عواقبها في الدنيا والآخرة، لأن المستشار مؤتمن، ولأن لرأيه تأثيراً في أصحاب القرار السياسي الذين يلقون على كواهل مستشاريهم بثقل هذه الأمانة الكبرى، ويثقون في إخلاصهم ثقة تجعلهم يتقبلون ما يقدمون لهم من الرأي المشورة، ولعلَّ ذلك هو الذي دفع بأحد الخلقاء العباسيين إلى أن يقول: أنا أملك زمام الدنيا، ويملك زمامي ثلاثة وسمَّى ثلاثة من وزرائه الذين يثق بهم.
|
نقول هذا في الوقت الذي نرى فيه انهيار كثير من أنظمة العالم الغربي وقوانينه السياسية والاقتصاية، ونرى فيه تراجع الدول الكبرى عسكرياً بسب الأزمة المالية الخانقة التي تجتاح العالم بسبب الرِّبا والأنظمة الاقتصادية (الاستغلالية) كما يسميها بعض الدارسين، ومع ذلك نرى الدول العربية والإسلامية ما تزال في موقف مضطرب في مواجهة هذه الأوضاع العالمية، وكأنها تنتظر أن تتغير الدنيا رأساً على عقب حتى تفكر في الاستقلال بنفسها عن الآخرين، ومعنى ذلك أنها تنتظر قيام الساعة حيث تصبح الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار، ولا شك أن ذلك الوقت لن ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل.
|
الغرب يهربون أمام أعيننا من مظاهر الانحراف التي اجتاحت عالمهم منذ ما قبل الحربين العالميتين إلى الآن، ويستصرخون عقلاء قومهم لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح القائم على القيم والأخلاق والضوابط (الدينية) ويرفعون أصواتهم معترضين على أباطيل الأنظمة البشرية التي تهوي بعالمهم إلى مكان سحيق، وهذا هو (جاك لانج) وزير الثقافة الفرنسي الأسبق يقول لصحيفة (ليبراسيون الفرنسية) إنه يؤيد بشدة إخضاع الإنترنت للمعايير الأخلاقية ويدعم منظمة عالمية تنشأ لهذا الغرض الذي يحقق ما يريد المصلحون في العالم من وقف طوفان الفساد الخلقي، والتفلت الاجتماعي، والتطفل الإعلامي الذي يقوم بنشر خصوصيات الناس بطريقة لو عُرضت على البهائم لرفضتها، والحيلولة دون سرقة الأفكار، وأعمال القرصنة الفكرية التي تسرق كتب وأفكار الناس وتنشرها في الإنترنت سالبة حقوق الآخرين، ويقول الوزير الفرنسي الأسبق: لقد أصبح الانحراف التربوي خطيراً مؤيداً بذلك آراء كثير من المفكرين الغربين الذين يرون الطوفان ويعرفون من أين بدأ، وأين سيصبُّ.
|
نعم، هم يهربون من فسادٍ ظاهر يدمِّر بلادهم، وكثير من المسلمين يهربون من قيمهم وتعاليم شرعهم وأخلاقهم إلى ذلك الطوفان الذي يهرب منه أهله المصطلون بناره، ودليلنا على هذا ما نراه من تفلُّتٍ من القيم في بلاد إسلامية أصيلة بحجة مواكبة المرحلة، وملاحقة التطوُّر، وما نسمعه من بعض المثقفين المسلمين من عبارات تدعو إلى التخلص من ضوابط شرعية لا تأتي إلا بخير، ولا تسوق إلا إلى الخير.
|
هنا يجب أن يتوقف من يحبون أوطانهم، ويحرصون على استقرار بلادهم، وهنا يجب أن يكون لأمتنا برامج عملٍ جادة خالية من الشعور بالتبعية للغرب، نقية من شوائب (عقدة الأجنبي) التي كان لها دور شديد السوء في ضياع فرصٍ ثمينة من أيادي المسلمين. هم يهربون من (الحفرة) فلماذا يركض بعض المسلمين إليها؟.
|
|
وا حسرة القلب من أبناءِ أمتنا |
ممن يعيشون في غي وإنكارِ |
|