يصر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على اختصار الزمن، لإنجاز خطط التنمية، والدفع نحو الأمام بقوة وعزيمة، معتمداً على توفيق الله وبركته، ثم الخطط الإستراتيجية الكفيلة بنقل السعودية، إلى عالم رحب من التقدم والرفاهية. إدارة الاقتصاد ليس بالأمر الهين، وحماية مكتسباته من تداعيات الأزمة العالمية الطاحنة أمر غاية في الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً. عندما تنهار أسعار النفط من 140 دولاراً للبرميل إلى ما يقرب من 45 دولاراً يصبح الأمر قاسياً على دولة تعتمد ميزانيتها، بعد الله سبحانه وتعالى، على إيرادات النفط. نجحت المملكة، بفضل الله وبركته، ثم بالإدارة الحكيمة، في تجاوز الأزمة بسلام، والمحافظة على مكتسباتها، وتوازنها المالي، وخططها التنموية.
في الوقت الذي يواصل فيه زعماء العالم اجتماعاتهم للخروج من الأزمة العالمية، تابع الملك عبدالله بن عبدالعزيز زياراته التفقدية، وأشرف على مشروعات التنمية في مناطق المملكة، ووقف على تدشين وافتتاح المشروعات الفكرية، والصناعية، وتوقيع عقود المشروعات التنموية الضخمة.
زيارات خادم الحرمين الشريفين الدورية للمناطق، وتركيزه على الاستثمار في الداخل، وإشرافه المباشر، ومتابعته لمشروعات التنمية أسست لفكر حديث في إدارة التنمية، توثق العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتجعل ولي الأمر في مواجهة مباشرة مع احتياجات الرعية، آمالهم، آلامهم، ومطالبهم الملحة. عقد جلسة مجلس الوزراء في المنطقة الشرقية، وربما في مناطق أخرى، تجعل كل شبر من أرض الوطن يشعر بأهميته وارتباطه المباشر بالحكومة التي شكلها ولي الأمر لخدمة الرعية.
ضمن إستراتيجية دعم التنمية الصناعية يُدشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروعات تفوق كلفتها 54 مليار ريال في مدينة الجبيل الصناعية. مشروعات صناعية تتميز بالتنوع والضخامة، ولعل ما يميزها هذا العام مشروع محطة شركة (مرافق) لإنتاج المياه والكهرباء المزدوجة بطاقة تصل إلى 2750 ميجا واط من الكهرباء، و800 ألف متر مكعب من المياه المحلاة. مشروع (مرافق) على علاقة مباشرة بجميع مشروعات الجبيل الصناعية التي تحتاج إلى طاقة كهربائية إضافية لمواجهة الطلب والتوسعات الضخمة. كما أنه مرتبط بتوفير احتياجات محافظة الجبيل، ومناطق المملكة من المياه المحلاة. مشروعات التنمية الصناعية تكشف عن ملاءة الدولة، وقوتها، وصمودها أمام الأزمة العالمية، وحكمة القيادة وقدرتها الفائقة على إدارة الأزمة محلياً، وحماية قطاعات الاقتصاد من تداعياتها الخطرة.
الحياد يفرض علينا الموازنة بين تسجيل النجاحات المميزة، وإظهار بعض الجوانب التي ما زالت في حاجة لتدخل أيادي الخير والعطاء لمساعدتها على النهوض، وأحسب أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حريص كل الحرص على معرفة أمنيات وتطلعات المواطنين، خاصة وأن أهم أهداف زيارات المناطق، الإطلاع على حاجات المواطنين والتواصل معهم.
نجاحات ملفتة تتحقق على أرض الواقع، تزهو بها مدينة الجبيل الصناعية، وتديرها باقتدار كفاءات سعودية على المستويين المدني والصناعي. الهيئة الملكية للجبيل وينبع، ورئيسها الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود، يعملون بجد واجتهاد يستحقون التقدير والثناء على ما قدموه من عمل جبار شهدت له الهيئات الدولية التي لم تتردد في منحهم جوائز التميز في مجالات التنمية المدنية والصناعية. الجبيل الصناعية باتت مدينة حضارية تنافس بتميزها المدن الأوروبية الحديثة. خدمات متكاملة وإدارة حكيمة، وجهود جبارة تقوم بها فرق العمل في الهيئة الملكية في الجبيل الصناعية. ولكن ماذا عن مدينة الجبيل، المدينة المجاورة للمنطقة الصناعية؟
الفصل التنظيمي، الخدمي والإشرافي بين المدينتين الذي وُضِعَ عند تخطيط المشروع أدى إلى رسم إستراتيجية تنموية شاملة للجبيل الصناعية، واستبعد في الوقت نفسه مدينة الجبيل، أو ما يطلق عليها تعسفاً (الجبيل البلد). تمخض عن ذلك الفصل حدوث فجوة تنموية كبيرة بين المدينتين، خاصة في قطاع الخدمات البلدية، الطرق، التعليم، الصحة، المياه والصرف، الترفيه، الحياة الاجتماعية، والتخطيط الحضري. هذه الفجوة خلفت أيضاً فجوة اجتماعية لا يمكن تجاهل تأثيرها على المدى البعيد.
كان من المفترض أن تنضم مدينة الجبيل إلى الجبيل الصناعية عند إنشائها وتصبح تحت إدارة الهيئة الملكية للجبيل وينبع. لأسباب متفرقة لم يحدث الضم، ولم يتحقق التعاون والتكامل بين المدينتين ما أدى إلى حدوث الفارق التنموي الكبير. أهالي الجبيل يتمنون أن تتولى الهيئة الملكية للجبيل وينبع الإشراف عليها خدمياً، وأن تتولى مسؤولية التعليم، الصحة، الطرق، التخطيط الحضري، تخطيط الأحياء الجديدة، وغيرها.
قرار الدمج بين المدينتين ربما احتاج لقرارات رسمية على أعلى المستويات تضمن سلامة تطبيقه. المصلحة الوطنية، والمصلحة العامة تحتمان اتخاذ مثل هذا القرار الإستراتيجي الذي سيكفل بإذن الله انصهار المدينتين في مدينة واحدة، وسيحقق العدالة القصوى لسكان المدينتين في ما يتعلق بالشؤون الخدمية. وضع إستراتيجية تنموية مستقبلية واحدة للمدينتين تحت مظلة الهيئة الملكية يمكن أن يقضي على جميع الفروقات التنموية الحالية.
مدينة الجبيل تحلم بتنفيذ مشروع مستشفى للأمراض الصدرية، وآخر للأطفال والولادة، وضم مدينة الجبيل إلى مؤسسي شركة (مرافق) وأن تتولى الحكومة دفع مساهمتها المالية أو عمل مقاصة بين ملكيتها في سابك، أرامكو، الهيئة الملكية، لمصلحة مدينة الجبيل كي تتمكن من الحصول على خدمات الشركة، تجهيز شبكة الصرف المركزية وربطها بشبكة مرافق الرئيسة على وجه الخصوص؛ إضافة إلى النظر في توطين الوظائف الصناعية من خلال قبول نسبة أكبر من طالبي الوظائف من سكان الجبيل. المسؤولية الاجتماعية لشركات ومصانع الجبيل ما زالت قاصرة وهي في حاجة إلى تفعيل. تخصيص الشركات الصناعية ميزانية سنوية ضمن (المسؤولية الاجتماعية) لتنفيذ مشروعات تنموية في مدينة الجبيل بات أمراً ملحاً لضمان حسن التطبيق والمشاركة.
أخيراً، ما زال شاطئ الجبيل الشرقي يمثل عقبة أمام تنمية المدينة وتأهيلها سياحياً. تؤكد بلدية الجبيل على أن شريط ساحل الجبيل الشرقي الذي لا يزيد طوله عن 1.8كم هو (أملاك خاصة)، ولحل هذه المعضلة يمكن للحكومة نزع ملكية الشاطئ الرملي، والمتنفس الوحيد لسكان مدينة الجبيل، وتعويض ملاكه بما يستحقونه مقابل تنازلهم عن أملاكهم الشاطئية للمصلحة العامة.
آمال وتطلعات، نضعها بين يدي الوالد القائد في زيارته الميمونة لمحافظة الجبيل، وكلنا ثقة بحرصه، حفظه الله، على تلبية أمنيات وتطلعات مواطنيه.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL .COM