Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/04/2009 G Issue 13361
الثلاثاء 03 جمادى الأول 1430   العدد  13361
الحبر الاخضر
الليبراليون اليوم نجاح في التفكيك وفشل في البناء
د. عثمان العامر

 

أشرت في دراسة علمية محكمة قديمة إلى أن المنطقة العربية عموماً والخليجية خاصة والسعودية على وجه الخصوص ستشهد -نتيجة معطيات داخلية وخارجية متعددة- صراعاً قيمياً واسعاً بين الليبرالية (الشخصية والمجتمعية) وقيم الإسلام المعروفة في هذه البيئة أو تلك. وأن الليبرالية بمدها العالمي وأطروحاتها المتوافقة مع رغبات وتطلعات الجيل الجديد الذي سيُصبغ بلون الفردية وسيتشكل بقالب الأنانية، والملائمة لتقنيات الزمن المعاصر -زمن العولمة أو ما يسمى بالقطب الواحد بعد سقوط الاشتراكية-، ستتمكن هذه الأفكار الوافدة من مَدِّ نفوذها وتقوية عودها في كثير من بلادنا العربية، وستتخذ للوصول إلى الشرائح المجتمعية المختلفة خاصة الشبابية وسائل عدة أهمها الصحافة والقنوات الإعلامية وصفحات الشبكة العنكبوتية والدعايات والإعلانات التجارية وما إلى ذلك. ومع أن الليبرالية العالمية تتكئ في إطارها العام على مقولات ناضجة نوعاً ما وناجحة بنسبة كبيرة في الأرض الغربية، وتعتمد على وسائل علمية مدروسة وتسوق بأقلام بعض المثقفين والكتاب المعروفين في كثير من بلادنا العربية، ومع تناقض وضعف كثير من مفردات الخطاب الديني وفشل وهون المؤسسات الشرعية في مواكبة التطوير والتحديث الذي ينشده المواطن والمقيم، إلا أن الليبراليين الساعين للتغيير وفق أجندة الغير سيواجهون ممانعة فكرية وشعبية قوية تطول وتقصر حسب الظروف والأحداث واختلاف الزمان والمكان، ولكن جهودهم الموجهة بشكل مدروس ستنجح في التفكيك والهدم، ولن تستطيع أن تقدم البديل لأنها في نسختها العربية لا يوجد في جعبتها سوى النقد وليس لديها مشروع نهضوي متكامل وبناء. نعم ستفكك البنية الثقافية السائدة في كثير من مجتمعاتنا المحلية، وستكشف التداخل المقيت بين العرف والعادة من جهة والشرع والدين من جهة ثانية. والمد الليبرالي هذا بما يطرحه من رؤى مقنعة نوعاً ما وبما يرسله من نقد موجه للمؤسسات الدينية والقائمين عليها والمنسبين لها، ونتيجة تركيزه المباشر على البعض منها بصورة دائمة، سيجعل هذا الخطاب -ثنائي الهدف- الممانعة المجتمعية النفسية والاجتماعية لدى العامة إزاء القيم الوافدة والتسليم المطلق للممارسات والأقوال التي تصدر من المؤسسات الدينية، سيجعل هذه وتلك تختلف عمّا كانت عليه وربما وصلت الحال عند الكثير منا للنقيض. وهذا الواقع المحلي المعاش الذي تُكشف أوراقه السرية عبر وسائل الإعلام المختلفة، والنقد المباشر الذي يطال أشخاصاً ومؤسسات هامة في نسيج الدولة، وتسليط الأضواء على مؤسسات بعينها، لن يسقط هذه المؤسسات كما يأمل ويتوقع البعض من الليبراليين، لكنه سيكشف عوّرها ويبين أخطاءها التي كان مسكوت عنها سنوات عدة ويجبرها على النظر في ذاتها من جديد. إن الخطاب الديني عموماً ومؤسساته المختلفة ستعيد قراءة نفسها وتحليل اتجاهاتها ومواقفها وممارساتها وترتب بيتها من الداخل وتطور منسوبيها أو هم من سيسعى لتطوير ذواتهم بكل الوسائل المتاحة أمامهم، وخلال السنوات الخمس القادمة من الآن سيتجدد الخطاب الديني بكل مفرداته وسيتغير إيقاع النظام داخل المؤسسات الدينية، وستتجه اللغة إلى الحوار والإقناع ومحاولة بناء الممانعة الذاتية أكثر من الردع المجتمعي في هذا الزمن الذي صار فيها العيب الاجتماعي لا مكان له في قاموس الكثير. وبالفعل هذا هو الواقع اليوم، والقارئ في التغييرات الوزارية التي أقرها وباركها وإعلن عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -وفقه الله ورعاه- والمتمعن فيما تنشره الصحف وما يكتب في مواقع الإنترنت، والراصد للتوجهات الإيجابية الرائعة التي تحتضنها المؤسسات الدينية ويعلن عنها أصحاب المعالي الوزراء، والكراسي العلمية التي تركز على بحوث ودراسات التطوير والبناء لهذا القطاع أو ذاك، والدورات التدريبية التي تعقد هنا وهناك وينخرط فيها منسوبو هذه القطاعات الهامة والمؤسسات الشرعية، والأنظمة المتقدمة والتقنيات الجديدة والعناصر المنفتحة و... كل هذه المعطيات والتغيرات مؤشر هام على أن المؤسسات الدينية الصرفة ومن خلفها الخطاب الديني المنطوق منه والمتضمن، الشخصي والعام، يمر بمرحلة حراك واسع سيكون بعدها أقوى عوداً وأكثر قدرة على احتضان الجديد والتعاطي مع كل عصر بثقة ومرونة وسعة أفق، وهذه هي روح الإسلام وسمة هذا الدين الصالح لكل زمان ومكان.. وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد