هذا العصفور ليس من فصيلة الطيور.. إنما هو إنسان بروح طائر جميل، فكما تغرد العصافير يقبل عليك (العصفور) بسمرته العفوية، وبخاطره الهادئ، يحييك في الصباح، ويبعث في روحك مجد الصبر والعناد حينما تشعر أن الوظيفة سرقتك من حياتك وأحالتك إلى مجرد رقم في معاملة، أو هجس في طابور تمطلب الرزق والكسب البسيط.
في الصباح يحضر العصفور، وتحضر معه التحية البكر، والقهوة الأصيلة المعطرة بالهال، والمصطبغة بصفرة الزعفران الضاربة .. التحية الهادئة وثيمة (يا جدي) هي التي يشيعها لحظة وصوله.
عبدالله العصفور يرقبك من خلال زجاج سميك لنظارته، يقتصد في الكلام، وعبارة: (يُسهِّل الله) هي من تقيم أود العلاقة بيننا.. موظف بسيط نحدق معه في ثقب الوظيفة.. عصامي نتجرع معه القهوة، ونزدرك التمر في الصباح الباكر جداً لنثبت معاً أننا من طبقة كادحة لا مخملية ذائبة في مفاتن رَفْلُها بالنعومة.
هلا.. جدي.. أقلط.. خذ فنجال..
قرب العاشرة يوقد (العصفور) البخور، وقليلا ما يبتسم، ونادرا ما تراه عابسا حتى مع إطلالات صباحات الوظيفة الشقية.
كثيراً ما يدعو من حوله: (القهوة يا جدي، خذ فنجان، وش تبي)، وما إلى تلك الاستدراجات الودودة، الاستمالات الجميلة لك لتبوح بما تريد، فيحضره لك عن طيب خاطر، وكأنه آخر الرجال العصاميين القديمين . الزاهدون بحياة الترف.. المخضلون بالود، فقلب العصفور أبيض، أرأيتم عصفورا قلبه غير ذلك؟!!
يوم العصفور يقضيه في هموم الوظيفة، وما يتبقى منه يوزعه بين أسرته، ورعاية الطيور الجميلة المولع بتربيتها.. أرأيتم عصفوراً لا يحب الطيور.. أخبار (الهلال) لا تفوته، ويتابع جل المباريات، فيالحظ الهلال وبخته أن تشجعه العصافير.
(العصفور) حينما لا تجده في مكتبه لا تظنه قد طار مع الطيور حينما زهد بنا وبتسويفنا أننا سنجاريه في الكرم والطيبة والبخور والقهوة الجميلة التي يحرص على اقتنائها، بل ستجده بعد برهة من البحث وهو يدور، ليفك مغاليق خطوطنا حينما نحرر الأوراق بألم ويأس من تعاقب السنين على حياتنا .. فقد مللنا يا عصفور البقاء في حواكيرنا .. فمتى نطير مثلك لنعود إلى أعشاشنا، وإلى برارينا، وصوب أحلامنا المؤجلة منذ أن رُبِقْنَا بهموم الوظيفة التعسة.. تلك الأحلام التي ما زلنا نؤجلها يوما بعد آخر.
سنخرج مع الطائر الجميل عبدالله العصفور إلى براري الجمال والوداعة والحديث شبه الهامس.. ذلك الرجل الذي لا يغضب، فمتى بالله عليكم نرى مثل العصفور بما فيه من وداعة الطيور الجميلة، ومن وفاء الإنسان النبيل.. فلله كم تُعَلِّمُنا يا عصفور أن نبقى في قفر الوظيفة محافظين على هذا المجد.
Hrbda2000@hotmail.com