حتى منتصف نهاية العام 1404 هـ تقريباً، كان الناس يذهبون في نهاية الأسبوع لمشاهدة الأفلام التي كانت تُعرض في الأندية الرياضية .. الهلال والشباب والنصر في شارع العصارات بالرياض، وكان تشغيل تلك الصالات واختيار الأفلام يتم من قِبل جالية عربية معيّنة..
.. لم تكن تراعي أية ضوابط في اختيار الأفلام!.. لقد كانت سيطرة تلك الجالية على نشاط السينما من أهم العوامل التي أدت إلى نهايته واندثاره في المملكة، لأنها لم تكن سينما مؤهّلة للاستمرار! لقد حملت بذرة فنائها بسبب هيمنة تلك الجالية التي حوّلتها من نشاط ثقافي وفني، إلى وباء رفضه المجتمع! ترى لو كان هناك سيطرة رسميه حقيقية على نشاط السينما في الأندية في ذلك الوقت، وتم افتتاح دور عرض جيدة، وكان هناك أشراف على نوعية الأفلام المعروضة، هل سيتم توقف السينما النظيفة والجيدة؟
قبل فترة حضرت عرض سبعة أفلام لمجموعة من الشباب في أحد الفنادق حملت الكثير من الأفكار، ولكن تبقى في النهاية نفس المشكلات القديمة التي تلازم مثل هذه الأفلام، حيث يظهر قاسم مشترك بينها، وهو استسهال العمل السينمائي الذي لا يقوم على فكرة فقط، ولكن لا بد من تقنيات لا يمكن التنازل عنها للحصول على فيلم مقنع، هذا إذا اعتبرنا ما عُرض (أفلاماً سينمائية)، فنوعية الكاميرات وعدم وضوح الصورة وعدم جودة الصوت وإلغاء دور المؤلف وضعف الحوار وعدم استغلال إمكانية الكاميرا بشكل جيد، كان سمة واضحه بين تلك الأفلام القصيرة. ثم إنّ هناك خداعاً لا يمكن إغفاله في هذه الحقبة الشبابية، فكلمة مخرج سينمائي أصبحت تطلق على شخص لديه عمل واحد بممثل واحد لعمل مدته خمس دقائق تم تصويره بكاميرا منزلية، وله الحق في التصريح والتنظير، كما أنّ هذه الصفة مثلاً تطلق على يوسف شاهين وعبد الله المحيسن على سبيل المثال.
إلاّ أنّ هناك سمة أخرى لاحظتها وهي التركيز على مشاهد معيّنة والتطويل في عرضها، وتلميح أحد المخرجين إلى أنه لا يمانع في عرض مقاطع معيّنة إذا كان موظفاً بشكل يخدم العمل! واختراق التابو تلك اللعبة التي يسعى إليها الكثيرون في مجالات كثيرة سواء أدبية أو فنية، لتكون أعمالهم صادمة وجريئة هو في منتهى الخطورة إذا كانت هدفاً بحد ذاتها! خاصة إذا كان مثل فيلم شروق وغروب أو فيلم حسب التوقيت المحلي، فالأول والذي يحسب له أنه تناول الاستغلال الجنسي للأطفال ولفت الأنظار إلى عنوان أشمل وهو العنف في المجتمع بتفاصيله المتعددة، إلاّ أنّ إشراك طفل ليقوم بدور المجني عليه بذلك السيناريو وبعرض شيء من تفاصيل الاغتصاب ومصاحبته مؤثرات تقوم بتجسيد الموقف، هو ذاته ينبني على (استغلال) طفل ليقوم بدور قد يؤثر عليه لاحقاً بين أقرانه وفي مدرسته! رغم أنّ المنفذين قالوا في نهاية الفيلم إنّ الأطفال لم يتعرضوا لأية إساءة أو قاموا بأية أعمال يقوم بها الكبار.
إنّ استغلال طفل ليقوم بدور المستغل جنسياً وتصويره في لقطة صادمة أمر يناقض فكرة الفيلم وحتى أبسط حقوق الطفل! وكان يمكن للمخرج أن يكتفي بالإيحاء لإيصال الفكرة، لكن سيطرة فكرة الجرأة هي التي دعته إلى ذلك! وربما ستقوده وآخرين إلى الكثير من الجرأة فيما بعد!
الفيلم الثاني حسب التوقيت المحلي، ويدور موضوعه حول مسألة إغلاق المحلات أثناء وقت الصلاة، وهو سلوك اجتماعي يقوم به الناس أحياناً من تلقاء أنفسهم، ومهما كان السبب سواء الهيئة كما يقول الفيلم أو غيرها، فإنّ ذلك لا يبرّر أن نصوّر أنّ المجتمع بأسره ضحية لهذا الأمر، بل إنّ المخرج وضع الخلفية الصوتية للنهاية صوت أذان، وإن فهم البعض منه أمراً فنياً له علاقة بانتهاء الفيلم، إلاّ أنه قد يُفهم منه أيضاً أنّ هناك إدانة من نوع ما! فتصرف المجتمع شيء والدين شيء آخر! والأذان أحد الشعائر الدينية التي يجب أن لا تُستغل في مثل هذا الطرح، خاصة انّ المخرج اختار مؤذناً بصوت ونبرة ولهجة معيّنة، ليؤكد على نظريته التي ربما ساعدت على التاكيد على أنّ الإدانة لم تكن للمجتمع! ومع انتشار ظاهرة الأفلام القصيرة تظهر الحاجة الماسة إلى وجود دعم لهؤلاء الشباب من قِبل وزارة الثقافة والإعلام بتأهيلهم ومساعدتهم وإلحاقهم بدورات متخصصة، فلقد تكرّرت نبرات الاعتذار التي يقدمها المخرجون بعد كل فيلم يقدمونه، بأنّ تلك أول محاولة إخراج أو كتابة سيناريو، ثانياً تأتي مسؤلية الوزارة في الدعم المادي للأفلام والإشراف على ما تتضمنه من مواضيع خاصة إذا كانت ستشارك خارجياً في مهرجانات مع كفالة الحرية الإبداعية، لكن دون أن تصل بنا الحرية إلى أن يوجد لدينا مخرجون يسيرون بنا على نفس خطى الجالية العربية التي سيطرت على السينما فساهمت في اندثارها!!
alhoshanei@hotmail.com