الحديث عن الخطوط الجوية العربية السعودية معين لا يجف له مداد، ولا ينضب له قاع، ولا يكف الحديث عنه لسان، لأنه يرتبط بشرائح عديدة وعريضة من الناس، فقيرهم ومتوسطهم غنى وموسرهم، حاضرة وبادية، وحين يحل موسم الإجازات السنوية ينشط الحديث مجدداً عن خطوطنا السعودية، بين ناقد لها أو حامد، وبين متعاطف معها أو معتذر لها، ولا يراودني أدنى ريب في أن هذه الشركة الوطنية تحرص ما وسعها الحرص على خدمة روادها بما أوتيت من موارد وإمكانات متاحة، وهي أكثر حرصاً على ألا يمس أداؤها بما لا يحمد، أو ينال منها نائل بما لا يسر!
***
* وأذكر في هذا المقام أنني كتبت موضوعاً عن (السعودية) قبل نحو عشرين عاماً، طرحت من خلاله رؤية أحسب أنها قد تسهم في فك الاختناق الأزلي على مقاعد (الدرجة الأولى)، ومثلها درجة (الضيافة)، وخاصة في مواسم الذروة السياحية، داخل المملكة وخارجها، قلت في مقالي سالف الذكر بعنوان (العيد ينفع بلا حنا) ما يلي: (مع شيء من التصرف):
* إن المتأمل عن كثب للأزمة (المتبادلة) بين الخطوط السعودية وبعض روادها يكتشف في غير عسر أن الجزء الأكبر منها يكمن في شح مقاعد الدرجتين (الأولى والأفق) في كثير من الرحلات، أمام رغبة ملحة في شغلهما من لدن كثيرين من الراغبين و(الراغبات خاصة) في السفر، بل إن هناك من قد يربط سفره إلى هذا المكان أو ذاك بمقعد في (الدرجة الأولى) أو رديفتها (الأفق)، وبدونهما لا يكون السفر سفراً ولا الإجازة إجازة!
***
* وهنا يتساءل المرء: لم هذا الإصرار على (الدرجة الأولى) أو (الأفق)؟ ويأتي الجواب متعدداً:
* البعض ينشدهما لأن المقعد وثير (يدغدغ) الإحساس كبرياءً ووجاهة!
* والبعض الآخر يرى فيه ترجمة حية مباشرة لنزعة (الظهور الاجتماعي)، وهكذا يتحول مقعد أي من هاتين الدرجتين إلى كابوس أو (ستيجما) نفسية تضني صاحبها حُلماً، وتشغل الخطوط السعودية أرقاً في محاولة إشباعها!
***
* وترتيباً على ما ذكر، أقترح أن تقوم الخطوط السعودية بإعادة تصميم مقاعد بعض طائراتها العملاقة، بحيث تصبح كلها بدرجة (ضيافة) مع مراعاة الضوابط التالية:
أولاً:
* ألا تتحول الطائرة إلى (علب ساردين) يحشر الناس في مقاعدها حشراً، بل تكون هناك مساحات معقولة للمرور بين المقاعد وإليها، وأن تكون المقاعد أكثر ملاءمة لكرامة الآدمي وراحته.
***
ثانياً:
* أن يكرس هذا الترتيب للرحلات الداخلية، وبعض الرحلات الخارجية قصيرة المدى، أو كلما حلت ذروة للسفر، داخلياً أو خارجياً.
***
ثالثاً:
* أن يخضع هذا الترتيب للتجربة فترة من الزمن، تقوَّم بعدها النتائج، في ضوء ردود الأفعال حياله سلباً أو إيجاباً.
***
رابعاً:
* إعادة النظر في (طقوس) خدمة درجة (الضيافة) لهذه المقاعد تخفيفاً لهاجس المقارنة بضيافة الدرجتين (الأولى والأفق).
***
وبعد:
* فإن هذا الاقتراح لم ينشأ من فراغ، فكثير من شركات الطيران الأوروبية والأمريكية تلجأ إلى مثل هذا الترتيب، خاصة في مواسم الذروة، تسد به باباً عريضاً من الحرج والاختناق، وتلغي من الأذهان، ولو إلى حين، فكرة تصنيف الراكب إلى (سعيد)، إذا كان من (نخب) الأولى، و(تعيس) إذا كان من (رهط) السياحية!! وشكراً لمن قال ذات يوم: (العيد ينفع بلا حنا)!!