Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/04/2009 G Issue 13359
الأحد 01 جمادى الأول 1430   العدد  13359
لما هو آت
المسخ..!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

كانت بجواري في العربة التي أقلتنا لمكان خصص لعقد الملتقى الذي شاركنا فيه، طيلة الطريق كنا نعبر بأبنية مختلفة الارتفاع والتصميم، غير أن اللغة التي نقرأها لنتعرف هويتها كانت واحدة بدءاً بإدارة للصناعات الكيميائة، فصيدلية لبيع الأدوية، إلى مطعم للمأكولات، ومشغل لتصميم الأزياء، إلى أبنية تضم فئات من المختصين في مجالات مختلفة، وكان علينا أن نترجم ما نهضت به ذاكرتنا لنآلف مع الشوارع، والأبنية، والناس الذين لم نكن لنراهم مترجلين إلا خروجاً من باب وولوجاً في آخر، أما الطرق فكانت تزمجر بهدير المواصلات بما فيها تلك المعلقة فوق الجسور, وتحت الأنفاق.., حتى السائق كان علينا أن نتفاهم معه بلغته، وكذلك المرافقة، إذ ليس ثمة من يرهق نفسه ليلوي لسانه بلغتنا، واعتبرنا بطيبتنا أننا لو لم نفعل ونحادثهم بلغتهم في بلادهم فإننا سوف لن نحظى باحترامهم، وسنبدو متخلفين جداً عن مهارات التخاطب بلغتهم، فنحن مشحونون بثقافة الواجب والفرض والضرورة لأن نكون في مستوى يليق بنظرة سائقهم قبل مستضيفهم، وحارس أبواب فنادقهم قبل رئيس الجلسة في مؤتمراتهم، ومشرف التنظيم للقاءاتهم قبل المشارك فيها بمنجزه أدباً كان أو علماً،.. وليس علينا فقط ذلك، بل لابد أن تكون محمولاتنا من الورق أو الأوعية المطورة أيضاً بلغتهم لا بلغتنا، وتذكرنا أنا ورفيقتي أن هذا مطلوب منا في عقر دارنا بمثل ما هو مطلوب منا في شتى دورهم، فثقافة الواجب والفرض والضرورة تقع علينا لا عليهم، فهم بذلك تسيدت لغاتهم، وليس فقط بما أنجزوه من ماديات وآليات وصناعات،.. وعندما انخرطنا أنا ورفيقتي في مجموعة المشاركة وجدنا السودانية والهندية والباكستانية والموريتانية بأثوابهن، فمجتمع اللقاء تمثيلي، وكل يأتي بهوية بلده لا باسمه الشخصي، لم نجد فارقاً في هذا بيننا فقد احتجبنا بعباءتينا، لكننا لم نجد بجوارنا من يترجم ما نقول للغة وسيطة سادت الجلسات، كما وجدت الباكستانية والهندية من يترجم عنهما لهذه اللغة الوسيطة.., ذلك لأننا نسينا كما لم تنسيا أن يكون عند مخاطباتنا بالموافقة للحضور إشتراط وجود من يترجم عنا فلساننا في الاجتماع سيكون هو لساننا، ولا نرضى به بديلاً، وأن عليهم أن يغيروا من صيغ الواجب والفرض والضرورة ما يقع علينا وحدنا على الأقل عند الحديث الحامل لهويتنا لا لذواتنا الخاصة.., وعندما يكون عليهم أن يأتونا لعقر دارنا فإن عليهم أن يتعرفوا كيف يخاطبوننا بلغتنا الأم التي يفترض وواجب ومن الضرورة ألا تُزاحم في أرضها أو تغتصب في أوطانها.., كما عليهم أن يقرأوا كل مكتوب في طرقها بلغتنا، ولكن كيف يفعلون وقد تفنن القوم في دارنا بانتقاء واختيار كل ما هو بغير لغتنا اسماً وشعاراً تصدم به عيوننا في شوارعنا وبين متحدثينا؟.. إنه المسخ الذي لحق عسى ألا تصل ناره للجذور في الصدور.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد