على متن إحدى الطائرات القادمة من الكويت إلى الرياض كنت أجلس وأم البنين رعاها الله في صف المقاعد الوسطى من الطائرة الضخمة التي تحتوي على ثلاثة صفوف من المقاعد وكانت تجلس بجانب أم البنين امرأة عربية وابنها اليافع بينما كنت أجلس بمحاذاة الممر، وكان يجلس في الصف المقابل رجل آسيوي وحيد يشغل المقعد القريب من نافذة الطائرة بينما ترك المقعد الذي بجانبه خالياً.
* * *
* أقلعت الطائرة من مطار الكويت، وحينما استوت في الجو كان الرجل الآسيوي الوحيد ينهض من مقعده قليلاً ويرسل إشارات بيديه إلى رجل آخر في المقاعد الخلفية، ثم يلتفت إلى رجل آخر أيضاً يجلس في المقاعد اليمنى، وكان يبدو عليه الاضطراب، وكان يجلس ثم يعيد الإشارات مرة أخرى؛ الأمر الذي جعلني أتطفل أو بالأحرى (أتليقف) عليه فقلت له بإنجليزيتي المكسرة (ماذا تريد يا رجل؟!) فأخرج لي كارت البيانات الذي يعُطى للمسافر الأجنبي لكي يدون فيه البيانات لرجال الجوازات، وظننت أنه يبحث عن قلم فقدمت له قلمي، ولكن لاحظت أنه يحمل قلماً فقال لي بإنجليزية مرتبكة (ثانكيو سير)، ثم انصرف (السير) الذي هو أنا إلى قراءة الصحيفة التي كانت معي منذ أن دخلت الطائرة، ثم لمحت بطرف عيني أن رجلاً ذا قميص أصفر قد جاء إلى الآسيوي الوحيد فتحدثا قليلاً وكاد أن يعلو بينهما الجدال ثم عاد الرجل (الأصفر) إلى مقعده في الصفوف الخلفية للطائرة، ثم ازداد اضطراب الرجل الآسيوي أكثر فأكثر، وحينما أعلن مذيع الطائرة للركاب أن يربطوا الأحزمة كنت قد انصرفت إلى قراءة الصحيفة من جديد، وهنا قالت لي أم البنين مثلاً نسيته منذ أيام الطفولة وهو يحكي قصة (السعلاه) الكائن الخرافي الذي يبدل هيأته حسب الأسطورة ليقترب من المسافر في الصحراء حتى يأمنه ثم ينقض عليه ويأكله، والمثل الذي ذكرتني به أم البنين يحكي عن مسافر وزوجته وجدا خروفاً وحيداً في الصحراء فأخذاه معهما ليأكلانه في العشاء وحينما حلّ الظلام التمع البرق فالتفتت المرأة خلسة إلى الخروف وكم هالها أن أسنان الخروف قد طالت كثيراً حتى خرجت من فمه فحاولت أن تنبه زوجها للأمر بقولها (إذا لمع البرق طالع بأسنان خروفك! ففهم الرجل معنى الإشارة وانتضى السيف وقتل (السعلاه - الخروف) قبل أن تأكلهما. ويبدو أن أم البنين قد استحضرت هذا المثل لكي لا تفهم عليها المرأة العربية الجالسة بجانبها. أما أنا وقد فهمت المغزى فقد طالعت خروفي - أي الرجل الآسيوي الوحيد - وكان صدره منتفخاً أكثر مما يجب حينما ربط الحزام لدى هبوط الطائرة، وبدا لي أنه يخفي شيئاً تحت القميص؛ ما حداني ل(اللقافة) مرة أخرى، وهنا خلعت حزامي وجلست بجانبه وأنا أقرع صدره، وكان بالفعل يخفي شيئاً صلباً تحت القميص، وقلت في ذاتي لأسيطر على الرجل المشبوه قبل أن أستعين برجال الأمن، ثم قلت في ذاتي لكن الضحية بدلاً من كل الركاب، ثم سألته بصلافة وأنا أقرع صدره (ما هذا؟!)، هنا ارتبك وأخذ يرتجف ثم أجابني (ذي ايزماي باسبورت)، ثم حاول أن يخرجه من تحت (الفانيلا)، فخجلت من نفسي وعدت إلى مقعدي وأخذت ألعن اللقافة والتطفل وسوء الظن، وبالطبع آنذاك هبطت الطائرة وأخذ الركاب بالنزول ولكنني تساءلت: لماذا لا يضع جوازه في جيبه؟ لماذا يخفيه تحت القميص؟! وحينما شعرت بالطمأنينة لدى نزول الركاب وأن ليس بمقدوره أن يفعل شيئاً أخبرت أول رجل جمارك صادفته خارج الطائرة وكان اسمه (سعد المطيري)، فقال لي شكراً دعنا نتولى الأمر؛ لذلك أخذت حقيبتي وغادرت المطار، وبعد ساعة كلمني الأخ سعد وقال لي شكراً على نباهتك وشكراً لأم البنين فقد ضبطنا الرجل وصاحبيه ووجدنا بحوزته عدة جوازات وأحلناه للتحقيق. فقلت للأخ سعد لا شكر على واجب؛ فكل مواطن خفير، وليحفظ الله هذا الوطن من كل مكروه وسوء.