تفاجأتُ بردِّ أحد القرّاء على مقالي (مكائن الخياطة والزئبق الأحمر) لدرجة الشك بإمكانية وجوده في المكائن فعلاً! بما يشير إلى وجود فجوة بين المواطن والأجهزة الحكومية. يظهر ذلك جلياً بعدم الثقة بتصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية حول الإشاعة برغم وجوب الشكر على المبادرة لوأد الإشاعة في مهدها.
والتشكيك بالتصريح يحمِّل الدولة مسؤولية إيجاد الوسائل الكفيلة بغرس الثقة بالأجهزة الحكومية عامة وبوزارة الداخلية على وجه الخصوص، لاسيما في الوضع الذي تعيشه بلادنا وما يتهدّدها من إرهاب داخلي على أيدي أبنائها المغرّر بهم وتشكيكهم في حكومة بلادهم، بمؤامرة ومساعدة خارجية.
وما آلمني في تعليق القارئ ما لمسته من قناعته بوجود الزئبق الأحمر في مكائن الخياطة، وأنّ النفي ما هو إلاّ إثبات لحقيقة خافية! حيث يقول بثقة: (على خلفية مقالك عن المكائن والزئبق الأحمر، وما سبقه من أخبار، تذكرت مقولة مضحكة: (إذا أراد الإعلام إثبات شيء قام بنفيه) ومثال ذلك: لا صحة لما تردد أن المكائن تحتوي على الزئبق الأحمر! وهنا يُعرف على الفور أنّ المكائن تحتوي فعلاً على ما نفته الأخبار! يا أخت رقية: وهل تظنين أن القارئ سيصدق حرفاً من مقالك أو كلمة واحدة مما أوردته الأخبار؟ وهل يعقل أنّ المشتري (معتوه) للدرجة التي تدفعه لبذل آلاف الريالات من أجل ماكينة حقيرة لا تحتوي على شيء ذي أهمية؟! إن شراء الناس للمكائن لعلمهم ما تحتويه، والهدف من بيعها، ومَن وراء ذلك! والحمد لله أن 99% من الشعوب لا تستقي معلوماتها من وسائل الإعلام، وإلا لأصبحوا فعلاً معتوهين! نحن نعرف كل شيء فلا تسفهوا عقولنا بمقالاتكم الصحفية وثرثراتكم الإعلامية يرحمكم الله) .. انتهى
ويبدو أن القارئ قد وقع على مكمن الزئبق الأحمر الروحاني، فأصبح على اتصال بالجن الأزرق لدرجة تأكيده ومعرفته بكل هذه المعلومات الغريبة، وتسفيهـه الإعلام الواقعي. فتصديقه وأمثاله من الناس للإشاعة، ورفضهم التصريحات الحقيقية من قِبل المسؤولين يستدعي الدراسة الجادة لأسباب تدني الثقة بالأجهزة الحكومية، وإيجاد العلاج لهذه المشكلة. فلا أقسى على الحكومات من أن تضعف ثقة المواطن بأجهزتها، برغم سعيها لحفظ مكانته ورفاهيته، حتى كادت المجالس تغص بقصص النميمة وإطلاق الوشايات لبعض الوزراء والتشكيك بالذمم! وهو ما يتطلّب حشد الجهود لإعادة الثقة بين المواطن وأجهزة الدولة المختلفة. وما ينبغي أن تكون عليه تلك الأجهزة من مستوى الثقة والمصداقية، وضرورة إرساء العدل، والتفاعل مع الناس، وقضاء حوائجهم وتسهيل إجراءاتهم، والقضاء على مكامن الفساد، ومحاسبة أي مسؤول يسيء لمكانة الدولة أو يشكك في أداء مهامها.
وهذا يتطلّب زرع حب الوطن الحقيقي لطلاب المدارس وتجذير الانتماء له، وغرس الثقة بالمسؤولين الذين تم اختيارهم من أعلى سلطة بالدولة ممثلة بالملك الذي يرتئي فيهم الصلاح والورع والاستقامة، وقسمهم أمامه على ذلك! فليس هناك ما يدعو إذاً للتشكيك ما لم يرَ المرء بعينيه ويسمع بأذنيه، وليصرفهما عما تتناقله مواقع الإنترنت أو المجالس المفلسة إلاّ من الفضفضة والتشفي والحسد والغيرة. ولننشغل فيما يسند لنا من أعمال لنؤديها بإخلاص وعلى أكمل وجه.
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب 260564 الرياض 11342