ما بين الحسّ وقراءته والفكر ودراسته جسورٌ وأنفاق، البعض لا يدري بها يحسّ بتراكم أحاسيسه وخواطره فيتداعى معها بالقلق أو الجموح، وبعض آخر يلمح وجود الجسور والأنفاق فيتهيّب المسير، وفئة أخرى .....
.....تبادر بالحركة نحو هذه الجسور والأنفاق، ولكن لا إرادة تتفاعل مع تضاريس كل جسر أو نفق.
وفئة موفقة لإرادتها بصيرة ولبصيرتها إرادة تستكشف بها وتبدّل وتغيّر وتعدّل من جسورها وأنفاقها الذاتية وإن أدركت الصعوبة، فلا تتردد أو تتهيب المنعطفات فتقتحمها بعزيمة وإيمان فيسهل الله مسيرها، لكنها تصطدم بالمحجوب فتراه بالتصور والأمل أو بالحس الروحي.
وأحدهم قد يلجأ إلى قولٍ قال به من سبقه فيهديه إلى حين، لينقلب إلى مفهوم آخر تغذيه من زاوية أخرى تجاربه وخبراته وما يصاحبها من آلام وقلق وخوف وتردد، أو عجزه من خلال طبيعته البشرية فينتشله إيمانه بالمعتقد الديني من زحمة ما يلقاه أثناء الرحلة فتزيد حركته، ويتصالح مع كل شيء سواء بفهم أو بدونه، ولكن بإيمان يشع نوره في النفس والعقل.
إن محاولة الاستكشاف من واقع أثقال الأحاسيس وما يصاحبها من عجز وقلق أمر عسير ولكنه ممكن.
فهذا الكون النفسي متشابك ومعادلات الحلول حتى الآن قاصرة عن الفعل، ولكنها أي رحلة الاستكشاف غنية بالمعرفة داعية للإيمان بقوة السنن والقوانين الربانية التي لا مهرب منها حيث تحكم وجوده وتنظمه بعلاقات ثابتة ومتزنة.
إن هذه الرحلة بنتائجها إيجابية في معظم الأحيان وتمهد إلى انسجام مع الكون بكامله، إلا أن نواقص في الذات والعقل ستحول دون ما نود معرفته لسببين:
الأول: عمق الأبعاد لهذا الكون النفسي.
الثاني: محدودية القدرة في العقل والنفس.
فغاية ما نستطيعه أن نبصر المشهد النفسي بمحدودية البصر والبصيرة في الموجود فتظل الكثير من التفاصيل غامضة على الإنسان لأزمان عديدة، وكل جولة مع النفس يتعمق بها الحسّ الإيماني فتطمئن النفس.
الإنسان وهو معنيّ بهذا دون زمن محدد، ولكنّ الأمر متاح بديمومة وجوده، وتجدد هذا الوجود حتى قيام الساعة، فالدعوة موجهة للإنسان حتى يوم البعث.
إن الإنسان ومهما طال به التجوال يحس بغربة مع الزمان والمكان والإمكان، فمع كل ساعة أو أقل من الزمن يتغير الإمكان والحسّ والإحساس فيرى أشياء ينكر التعامل بها مع الحياة والنفس والآخر، فيحاول تفجير طاقة الإرادة فتنهزم أمام معضلة التغيير، والإقلاع من حال إلى حال لتترسخ هذه الحال حتى وإن تفاقم الضرر أو تجاوزت الحال حدودها.
ندفع بأنفسنا إلى الوسطية ولا نستطيع، فالنفس بمكوناتها وغرائزها وما تطلب وتلح به توجه إلى طريق آخر، وإلى سلوك مختلف فيحلّ التطرف من يمين الوسط وشماله ممهداً إلى مسالك شاذة قد تلحق بالإنسان بالغ الضرر والهلاك إما في نفسه أو يصيب بها منافع الآخرين وأمنهم.
وبهذه الممارسة البعيدة عن سنن الله وقوانين الحياة يبتعد عن الوسط ومن أبعد عنه فمكانه اليمين أو الشمال، ومع ذلك فإن المزاج له رؤى أخرى وشروط متباينة، ورغبات متداخلة فيظل الانتصار بعيد المنال، وأعني انتصاراً على النفس وانتصاراً على الفقر والجهل والغنى والظلم والمرض... إلخ.
فمحدودية العقل والجهد لدى الإنسان له بالمرصاد؛ فهو مخلوق بإرادة الخالق وقدرة الخالق لا تجوز معها قدرة المخلوق، فالخالق واحد أحد، وهو الصمد لم يلد ولم يولد وليس له كفؤ أحد.
ومن ناحية أخرى في نفس الإنسان صراع بين خيره وشره، كما تتسلط عليه شرور الآخرين من كل المخلوقات من حوله فالحياة في بدايتها كانت صراعاً بين الخير والشر لينتصر أحدهما فتتلون الحياة وفق النتائج، فحياة الأمن والسلام غير حياة العنف والدمار، وما يتمناه الإنسان من أمن وسلام مع الأشياء بكل تفاصيلها محور القصيد.
إن السكينة تعزّ على الإنسان حتى وهو نائم فتغربله الكوابيس والأحلام لتجعل النوم ساكناً بلا سكينة.
إن هذا المنهاج هروب أو سوء فهم لحقائق ربانية، حيث نظن أننا بذلك نهرب من الكبد، والذي من بوادره الجهل والعجلة والظلم وصفات أخرى متعددة. إن المسير إن طال أو قصر يستمر في حوار أو جدل مع المصير لكن رحمة الله أوسع.