ليس من السهل تقبل المساهمين بالأسواق لأن تحقق شركة عملاقة خسائر فقد أعادت سابك للأذهان الربع الرابع من عام 2001 الذي حققت فيه آخر خسارة عندما أعلنت عن 974 مليون ريال خسارة بالربع الأول من عام 2009 وإن كانت قد عللت السبب بإطفاء الشهرة بمقدار 1181 مليون ريال من قيمة وحدتها للبلاستيك المبتكرة المملوكة سابقاً لجنرال إلكتريك حيث قدرت الشهرة بحوالي 10.400 مليار ريال كجزء من صفقة اعتبرت الأكبر لشركة عربية بالخارج وصلت إلى 45 مليار ريال ووحدة البلاستيك تنتج عند شرائها 1.8 مليون طن من البلاستك ويعمل بها عشرة آلاف موظف في عشرات المصانع بأكثر من 40 دولة ولكن الأزمة الاقتصادية أطاحت بالقطاعات التي تعتمد عليها هذه الوحدة في صناعات السيارات والبناء والإلكترونيات واليوم تجد سابك نفسها مضطرة لإعادة هيكلة الشركة بشكل واسع أثمر عن خفض العمالة فيها بحدود 1600 موظف ولن نعود بالطبع للحديث عن الصفقة بحد ذاتها بقدر ما يجب أن نقرأ الأثر الذي أحدثته على واقع سابك الحالي.. وإذا كانت الخسارة مبررة قبل ثماني سنوات لأن سابك في ذلك الوقت ليست سابك 2009 أحد عمالقة الصناعة البتروكيماوية بالعالم والعلامة التجارية الرفيعة المستوى وصاحبة أعلى الطاقات بكثير من المنتجات مثل MTBE حيث تنتج منه قرابة 3 ملايين طن وكذلك الأقل كلفة بين المنتجين العالميين والمنافس الأبرز في كثير من الأسواق المهمة كالصين وغيرها مما يعني أن هناك مفاجأة غير متوقعة حدثت لسابك من خلال توسعها الخارجي بالاستثمار في أمريكا وأوروبا ظهر أثره بشكل واضح جعلها تعود لمربع 2001 من جديد وفي ثنايا إعلان النتائج نقرأ جملة من آثار واقع سابك الحالي فقد انخفضت الأرباح التشغيلية بين الربع الحالي والرابع من 2008 بشكل فاق 75 بالمائة ونقيس بينهما نظراً لتركز حدة الأزمة بهذه المرحلة مما يعني أن هناك ارتفاعاً بالتكاليف قد يكون ناجماً عن إنهاء خدمات الموظفين المعلن عنهم خارجياً وبعض أعمال الهيكلة وارتفاع تكاليف المخزون وخصوصاً الحديد كأكبر منتج له خليجياً بينما نجد على النقيض ارتفاع الإنتاج ليصل إلى 14 مليون طن وكذلك المباع منه إلى 11.5 مليون طن.. وهذا يعني أن سابك استفادت من جودة منتجاتها وكذلك بشكل خاص من الصعوبات التي واجهها المنتجون بالخارج واضطرتهم لإقفال خطوط إنتاج لهم نظراً لارتفاع التكلفة مما يعني أن حصة سابك ارتفعت بالأسواق رغم الصعوبات التي حذر منها مسؤولو الشركة بأوقات سابقة إلا أن الملفت للنظر هو تصريح الرئيس التنفيذي قبل عدة أسابيع عن توقعه بتحقيق سابك لأرباح أفضل من الربع السابق أي الرابع من 2008 حيث حققت الشركة أرباحاً بلغت 311 مليون ريال.. وهذا ما دعا المحللين والمؤسسات المالية لتغيير توقعاتهم لنتائج سابك من خسارة إلى أرباح لأنهم أخذوا بعين الاعتبار مصدر التصريح، وحللوه على أنه لن يكون هناك تخفيض للشهرة وبالتالي تغيرت المعادلة تماماً وحتى ما أعلنت عنه الشركة أنها لولا تخفيض الشهرة لحققت 207 ملايين ريال ربحاً لا يعكس تصريح الرئيس التنفيذي لأنه توقع أعلى من 311 مليون ريال وإذا كنا لا نتوقع أرباحاً كبيرة من سابك كما في أعوام سابقة نظراً لظروف الاقتصاد العالمي الصعبة إلا أن دقة المعلومات وشفافيتها تحمل حساسية عالية بأي وقت خصوصاً في المرحلة الحالية التي يمر بها الاقتصاد العالمي وانخفاض قيمة الأصول بشكل حاد الذي سيجذب سيولة المستثمرين طويلي الأمد خصوصاً للشركات القوية وسابك بعالميتها وجوانب القوة العديدة لديها ستكون تحت الأضواء خلال المرحلة القادمة لأن نتائج عام لا تعكس مستقبل وماضي الشركة.. وفي التجارة قد تضحي بفترة معينة لتمتلك الأسواق وتزيح المنافسين من أمامك لسنوات طويلة، فحجم السيولة اليوم لدى سابك يبلغ 52 مليار ريال مما يعطيها فرصاً للاستحواذ على منافسين أو صناعات تحتاجها الشركة لتوسيع قاعدتها بالأسواق العالمية.
المطلوب اليوم من سابك وغيرها من الشركات أن تكون أكثر شفافية وأكثر دقة بما يصدر عنها لأنها محرك أساسي بالسوق السعودي ومؤثر حتى على الأسواق العالمية.. فالمساهمون والأسواق لا تنظر إلا للنتائج وقلة منهم من يستطيع تقدير واقع الأسواق وتقلباتها وتعرض أرباح الشركات لتذبذبات تحكمها حالة الاقتصاد ولكنهم جميعاً متفقون على مراقبة تعامل الإدارات مع الظروف المتغيرة لأنها هي التي ستعطي الشركات القوة المستقبلية والقدرة على الخروج من الأزمات أكثر صلابة واستفادة فدوام الحال من المحال ولكن العبرة بمن يقرأ المستقبل ويجيد التحالف معه ليحصد النجاح تلو النجاح.