مقال اليوم هو امتداد للسلسلة التي بدأتها الأسبوع قبل الماضي للحديث عن حوكمة الشركات والتي أخذت زخماً من الاهتمام كبيراً، نظراً لما أفرزته الأزمة المالية العالمية من سلوكيات سلبية في إدارة الشركات من قبل مجالس الإدارة والإدارات التنفيذية، وخصوصاً تلك التي واجهت ظروفاً صعبة جعلتها تواجه مصيراً حالك السواد.
المبادئ الأساسية لحكومة الشركات تتطلّب أن يكون هناك مجلس إدارة فعّال بداية من التنوع في تكوينه ومروراً بفعالية اللجان الرئيسية المنظوية تحت لوائه، وأخيراً بدوره الرقابي والإشرافي في رعاية شؤون أصحاب المصالح.
تكوين مجلس الإدارة هو قضية غاية في الحساسية وأساس مهم لدور أكثر فاعلية للمجلس في تسيير أمور الشركات وتعزيز الدور الرقابي للمجلس، ومن المؤسف حقيقة أننا نجد أنّ كثيراً من مجالس الإدارات لشركاتنا المحلية، وقد اكتسى أعضاؤها بوشاح من قلة الجهد والتركيز كونهم يشغلون مناصب عديدة جداً لا تسمح لهم بصرف الجهد والوقت اللازم لتحقيق الهدف المرجو من عضويتهم، كما أنهم عادة ما يشوب دورهم الكثير من تضارب المصالح، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهي قضية تتعارض بشكل واضح مع تطبيق مبادئ الحوكمة السليمة.
إنّ دور مجالس الإدارات غاية في الأهمية كونه خط الدفاع الأول الذي يبني عليه أصحاب المصالح، وخصوصاً المساهمين، أهمية كبيرة لكي يحقق مبدأ التوازن المطلوب بين السلطة التنفيذية والسلطة الرقابية، ولكن هل هذا التوجه موجود في مجالس إدارات شركاتنا؟
أكاد أجزم أنّ النسبة التي تطبقها بشكله الصحيح ضئيلة جداً. إذا كيف يمكن لنا من تفعيل دور مجالس الإدارات للقيام بدورها المطلوب وتحقيق تطلعات أصحاب المصالح، هنا أعرض أبرز الملامح لتكوين مجلس الإدارة ليكون متوافقاً ومتطلبات الحوكمة الأساسية:
1- الفصل بين مهام ومسؤوليات كلٍ من رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة(CEO) تفادياً لسوء استخدام السلطة عند تركيزها بشخص واحد، وتفعيلاً للدور الإشرافي والرقابي داخل الشركة، لأنّ دور رئيس مجلس الإدارة بصفة عامة هو دور إشرافي ورقابي في حين يعتبر دور الرئيس التنفيذي دوراً تنفيذياً.
2- أن يكون مجلس الإدارة متوازناً بين أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين وغير التنفيذيين، ومن الأفضل أن يكون أغلبية أعضاء مجلس الإدارة، من الأعضاء غير التنفيذيين والمستقلين الذين ليس لهم أي مصلحة مباشرة أو غير مباشرة مع الشركة.
3- يجب أن يكون أعضاء مجلس الإدارة المستقلين من أصحاب الخبرة والتخصصات المختلفة لإثراء دور المجلس وتفعيل قراراته.
4- يجب أن يخضع أداء مجلس الإدارة وأعضائه إلى تقييم دوري عن طريق متخصصين (مستقلين) بهدف التأكد من قيام المجلس بدوره المطلوب وقيام أعضائه بالدور المناط بهم.
5- من المهم أن تحدد المدة الزمنية للعضوية بمجلس الإدارة لكي يتم ضخ دماء جديدة بين الحين والآخر تساعد على تعزيز وتفعيل دور المجلس وتنويع المهارات التي تتطلبها كل مرحلة.
استشارات
* في مقالك السابق الذي تطرقت فيه عن أهمية تطبيق مبادئ الحوكمة بالشركات، هل تعتقد أن مبادئ الحوكمة يجب أن يكون تطبيقها الزامياً كون أغلب الشركات لدينا لا يمكن إقناعهم دون أن يكون الأمر الزامياً؟
(ع. الحجي - الرياض)
- أنا لست من المؤيدين أن يكون تطبيق جميع مبادئ الحوكمة بأمر من السلطات المختصة كون العبء في فرض التطبيق يقع على كاهل أصحاب المصالح وعلى رأسهم حملة الأسهم من خلال الضغط على مجالس الإدارات والسلطات التنفيذية بالشركات لتطبيقها للفوائد التي تجنيها الشركات من تطبيقها .. إلا أني أرى أنّ على السلطات المختصة أن تجعل من بعض المبادئ الزامياً على الشركات تطبيقها كونها مؤثرة في بقاء ديمومة الشركات مثل ما ذكرته في مقالي اليوم عن ازدواجية الدور الذي يلعبه رئيس المجلس وجمعه بين منصب رئاسة المجلس ورئاسة الشركة، لأن هذا فيه قدر كبير من إضعاف الدور الرقابي وقد يتسبب في سوء استخدام السلطات نظراً لجمع شخص واحد السلطات التنفيذية والرقابية.
كما أن الضرر سيكون كبيراً اذا ما كان رئيس المجلس الذي يجمع رئاسة الشركة ذا شخصية ووضع قوي جد فعندها سيهمش أدوار أعضاء المجلس الآخرين ويسيطر بشكل كامل على القرارات.
* هل فعلاً أن الأرقام الكبيرة التي ظهرت أخيراً عن رواتب التنفيذيين للشركات السعودية صحيحة وما رأيك الشخصي كخبير في الموارد البشرية والمديرين التنفيذيين؟
(س. النفيسة - الرياض)
- الأرقام التي ظهرت عن طريق الصحف حول رواتب التنفيذيين هي صحيحة في مجملها أما التي ظهرت بالبريد الإلكتروني والمنتديات فلا أعلم مدى صحتها. ولكن حتى تلك الأرقام الأخيرة فأنا ما زلت أعتقد أنها معقولة مقارنة بحجم المسئوليات والتحديات التي يواجهها التنفيذيون ولكني أرى أن تركيز الإعلام والمهتمين يجب ألا يكون على حجم تلك المخصصات المالية بل على إخضاع هؤلاء التنفيذيين لقدر كبير من المحاسبة والتقييم العادل لإنجازاتهم وإسهاماتهم في تطوير انشطة الشركات ورفع معدلات الأداء وزيادة الأرباح وتعظيم العائد على الاستثمار، وبحيث يستحق التنفيذي تلك المخصصات في حال حقق نتائج إيجابية ويتم محاسبته في حال حدث العكس.
وقفات
- لن ينصلح حال المؤسسات الخدمية ما لم تدار بعقلية القطاع الخاص وبحيث يخضع مسئولوها إلى درجة مناسبة من المحاسبة فيكافأ المحسن ويعاقب المقصر.
- وجود عدد من الشركات السعودية التي يقوم فيها رئيس مجلس الإدارة بمنصب الرئيس التنفيذي يطرح علامة استفهام كبيرة، فهل يصح أن يجمع شخص واحد بين السلطة الرقابية والتنفيذية، وهل البلد في شح من الكفاءات لكي يجمع شخص واحد بين المنصبين؟.
- الجوائز التي تقدم لأفضل الرؤساء التنفيذيين للشركات لا نعلم على أي أساس يتم الاختيار وما هي شروط المنافسة وهل هي مفتوحة للجميع أم أنها جوائز وضعت لغرض التلميع والعلاقات العامة، أتمنى أن يكون الاختيار بناءً على أسس سليمة وعادلة لتحقق الهدف الأسمى منها.
ترسل الأسئلة إلى alammash@yahoo.com