د. حسن الشقطي
تكررت هذا الأسبوع صدمة السيناريو الأسود نفسه الذي حصل (يوم الثلاثاء) العشرين من يناير الماضي، عندما صدرت نتائج الربع الأخير من عام 2008 لشركة سابك، والتي حققت فيها الشركة تراجعاً في أرباحها، وهوى السهم بنسبة 9.8% وخسر المؤشر يومها 2.4%.. هذا الأسبوع تكرر السيناريو نفسه والقوة نفسها، لتعلن سابك نتائجها يوم الثلاثاء والتي أوضحت تحقيق سابك لخسائر وصلت إلى 974 مليون ريال، تسببت في خسارة السهم للنسبة نفسها 9.8% وخسر المؤشر 3.12%.. ولكن من المستجدات الفجائية في نتائج هذا الربع ظهور (لأول مرة) بند الشهرة كعنصر امتص كل الأرباح الربعية، بل وأخرج الشركة خاسرة لهذه القيمة العالية.. فما هذه الشهرة؟ ولماذا وصلت إلى هذه القيمة المرتفعة (1.181 مليار ريال)؟ ولماذا احتاجت الآن إلى هذا الإطفاء السنوي الكبير؟ ومن جانب آخر، لماذا أصبحت سابك ضاغطاً على السوق والمؤشر؟ وعلى الرغم من الأخبار السلبية لنتائج سابك، فقد تمكن مؤشر السوق من الإغلاق الإيجابي يوم الأربعاء وبربحية مرتفعة بنسبة 161 نقطة ليعوض جزءاً كبيراً من خسائره خلال الأيام الثلاثة السابقة (الأحد إلى الثلاثاء) والتي بلغت 411 نقطة، بشكل يدلل على أن السوق تمكن من استيعاب صدمة سابك، الأمر الذي يشير إلى أنه لا يزال هناك بقية صعود داخل المسار الصاعد الحالي.
ما (الشهرة) في القوائم المالية؟ وكم قيمتها في سابك حالياً؟
الشهرة تعرف أحياناً بالسمعة التجارية، هي أحد البنود الرئيسة المكونة للأصول غير الملموسة، والتي تتحدد قيمتها عندما يتم شراء شركة ما من قِبل شركة أخرى، وهي تظهر في الميزانية العمومية للتعبير عن المبلغ الذي يدفع كزيادة على صافي القيمة العادلة لأصول الشركة المشتراة بحيث يعبر عن السمعة التجارية (الشهرة).. ويتم إطفاء السمعة التجارية خلال العمر الاقتصادي المقدر من قِبل إدارة الشركة، وحسب المعيار المستخدم فإنه يقدر بنحو40 سنة. وبالنسبة لشركة سابك، فقد تم شراء وحدة جنرال إليكتريك بنحو 44 مليار ريال، من المعتقد أن 14 مليار ريال دفعت منها كقيمة للشهرة وهي قيمة تزيد على قيمة الموجودات الحقيقية في الصفقة. ونحن نتحدث هنا عن الشهرة الناتجة عن الصفقة فقط، وليس كامل الشهرة لسابك.
خسائر سابك في الشهرة..
أشرنا في تقرير الأسبوع الماضي إلى أن تحرك سهم سابك هذه الأيام يحكمه عنصران.. يتوقع أن يستمرا في تحديد مساره خلال كامل عام 2009، وهما أسعار النفط ونتائج صفقة جنرال إلكتريك.. وبالفعل فإن نتائج الربع الأول من هذا العام تؤكد ذلك، حيث تشير النتائج إلى تحقيق الشركة لصافي خسائر بقيمة 974 مليون ريال مقابل صافي أرباح بلغ 6.924 مليار ريال للربع المماثل من عام 2008، ومقابل صافي أرباح بلغت 311 مليون ريال للربع الأخير من العام الماضي.. وعلى الرغم من أن الكثير من المحللين ركزوا على تسبب جانب الشهرة -كما أشارت تصريحات الشركة- في تحقيقها لخسارة صافية، إلا أن الأمر ليس مجرد شهرة، ولكن حتى الربح التشغيلي سجل انخفاضاً هائلاً بنسبة 97%، والذي يعود إلى جوانب متعددة بعضها مرتبط بالأزمة العالمية وبعضها غير مرتبط .. فأسعار نفط مضطربة ومخزون عال من منتجات انحدرت أسعارها إلى نصف قيمتها، ومنتجات أخرى بات لا يوجد طلب عليها، وأمور عديدة ومتعددة.. جانب مهم منها يرتبط بصفقة جنرال إلكتريك التي يبدو أن الشركة عزمت على توزيع خسائرها فيها على أرباع عديدة مقبلة، في اعتقادي لو استمر الوضع على حاله، فإن الشركة تتطلب أكثر من ثلاث سنوات لإطفاء واستيعاب خسائرها بالكامل في الشهرة التي تصل إلى 14 مليار ريال (تحت اعتبار إطفاء مليار ريال كل ربع سنوي).. إلا أن فترة إطفاء الخسائر ترتبط بعنصر مهم، وهو السعر العالمي للنفط المحدد لأرباح الشركة، فهذا السعر لو استمر على حاله عند 50 دولاراً، فقد تكون فترة العام كافية، في حين لو انحدر هذا السعر إلى ما بين الـ 35-40 دولاراً، فنحن في حاجة إلى أكثر من ثلاثة أعوام.. ولكن المخاوف الآن تدور حول: هل توجد عناصر أو متغيرات أخرى مالية في قوائم سابك تحتاج إلى إطفاء؟
خلافاً لكثير من الدول... اكتتاب (أيس) يؤكد أن السيولة بخير في السوق:
تمر أسواق الاكتتاب الأولية في العالم حالياً بحالة من الركود الشديد، لدرجة أن كثيراً من هيئات الأسواق المالية في كثيرٍ من الدول الأجنبية منعت نهائياً طرح اكتتابات جديدة.. على العكس تماماً يعيش السوق السعودي حالة طبيعية جداً في تغطية اكتتاباته.. فقد بلغ عدد المكتتبين في شركة أيس العربية للتأمين التعاوني نحو 236 ألف مكتتب، بتغطية تجاوزت نسبة 315% خلال ثلاثة أيام ونصف فقط من فترة الاكتتاب المحددة بعشرة أيام.. وهو ما يؤكد أن السوق السعودي بخير وأنه لا يعاني مشكلات في السيولة كما يزمع بعضهم، فالسيولة لا تزال متاحة وبكثافة ولكنها تحتاج إلى تعزيز ثقتها بالسوق الذي يؤكد يوماً بعد يوم أنه لا يزال يمكر باضطرابات.. أيضاً يوضح الإقبال في اكتتاب «أيس» أن المتداولين في السوق لا يزالون يركزون على المضاربات، فأيس شركة تأمين، وبصرف النظر عن الشركة، فإنها تنتمي لقطاع يمثل محل التركيز الآن سوقياً ومضاربياً.
مَن يرصد الشركات الأكثر تأثراً بالأزمة العالمية؟
حتى الآن لا توجد أي تقارير يمكن أن ترصد لنا الشركات السعودية المعرضة للتأثر بالأزمة المالية العالمية.. فآخر الشركات التي أعلنت عن نتائج أعمال متأثرة بقوة بهذه الأزمة كانت شركة المملكة القابضة والتي تشير نتائجها إلى الربع الأول من 2009 إلا أنها أحرزت انخفاضاً بنسبة 83.4% عن أرباح الربع الأول من عام 2008.. وهي نسبة مرتفعة.. لذلك، فإن دور الشركات المالية الآن أن تسعى لرصد الشركات الأخرى المعرضة لتداعيات هذه الأزمة، وخصوصاً تلك الشركات التي يتوقع أن تأتي تأثيراتها مبطئة أو بعد فترة زمنية.
مضاربو القطاع الزراعي.. يكافحون لاستعادة أمجاد قديمة:
أحرز القطاع الزراعي خلال الشهر الأخير أرباحاً بلغت نحو 10.3%.. ومن مفارقات الثلاثاء الماضي، أنه على الرغم من خروج كل القطاعات السوقية خاسرة في هذا اليوم تأثراً بهبوط سابك بالنسبة القصوى، خرج القطاع الزراعي رابحاً على الرغم من أنها نسبة طفيفة.. وتسجل الكمية المتداولة للأسهم الزراعية زيادات ملحوظة منذ 8 فبراير الماضي، بما يدلل على أن الفترة القليلة المقبلة يمكن أن تشهد عودة لبعض أسهم القطاع للصدارة من جديد.
محلل اقتصادي