دبي - «الجزيرة»
أشار تقرير حديث إلى أن تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الراهنة على السوق العقارية الخليجية كان سريعاً وبالغاً الأمر الذي أدى إلى تراجع لافت في القيم الرأسمالية العقارية وقيم الإيجارات.ورصدت (كولييرز إنترناشيونال) في تقريرها تغيراً رئيسياً لافتاً في الآلية التي تحكم السوق العقارية الإقليمية تمثل في انحسار المُضاربين العقاريين والمستخدمين النهائيين والمستأجرين، وبروز المستثمرين المحترفين الذين يشكلون اليوم أهمّ ركيزة للحركة العقارية في المنطقة.
وفي حين أنَّ خبراء عقاريين كثيرين لا يعوِّلون البتة على عام 2009 بسبب تداعيات الأزمة المالية العالمية العصيبة، قال التقرير لن يكون بإمكان المطوِّرين العقاريين أن يتنحوا جانباً، ومن المؤكد أنهم سيحاولون الاستفادة من الدِّراسات الدقيقة والمعمَّقة حول سبل تلبية متطلبات المستثمرين المحترفين بالشكل الأمثل بُغية تنشيط الحركة العقارية في الأمد غير البعيد.
ويظهر التقرير المُعنون: (رؤية عامّة حول السوق العقارية الخليجية) أنَّ مدى تأثر كلّ سوق خليجية بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية يعتمد في المقام الأول على مدى تعرّض تلك السوق للمنظومة الاقتصادية العالمية، ومستوى المضاربات العقارية التي سبقت وصول الأسعار إلى ذروتها خلال السنة الماضية.
وفي سياق تحليله للانكماش الذي تمرُّ به الأسواق العقارية الخليجية في اللحظة الراهنة، قال أيان ألبرت المدير الإقليمي في (كولييرز إنترناشيونال): (ما زال تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية يتمثل في قلة السيولة وتشدُّد الجهات المُقرضة وفرضها معايير أكثر صرامة مقارنةً مع السنة الماضية. والأمر الأهمّ في هذا السياق هو تراجع ثقة المستثمرين العقاريين بشكل لافت، ولاسيَّما مع إقبال الشركات على تقليص تعداد موظفيها، وتزعزع شعور بقية الموظفين بالاستقرار في وظائفهم الأمر الذي حيَّد المستخدمين النهائيين والمستأجرين بعيداً عن السوق العقارية. وأضاف أيان ألبرت أن خلال الأشهر الستة الماضية تحوُّل المضاربين العقاريين إلى مستخدمين نهائيين ومستأجرين؛ واليوم نشهد تحولاً مماثلاً من مضاربين عقاريين إلى مستثمرين محترفين، وهم يشكلون اليوم أهم فئة بين المشترين في السوق العقارية الراهنة.
وتابع ألبرت قائلاً: "ومحصِّلة ما سبق ازدياد أهمية العائد الذي يمكن أن يحققه المستثمر في السوق العقارية الحالية، وطالما استمرت الفجوة الواسعة بين السِّعر والعائد، فإننا نتوقع أوقاتاً عصيبةً خلال المرحلة المقبلة من حيث استقرار الأسعار والحركة العقارية عامة).وتتناول (كولييرز إنترناشيونال) في تقريرها وتحليلها المفصَّل التغيرات الجذرية الطارئة على طبيعة الأسواق الخليجية، ويُقصد بذلك تنحي المضاربين العقاريين والمستخدمين النهائيين والمستأجرين ليحلّ محلهم المستثمرون المحترفون الذي يمثلون اليوم أهمَّ المشترين في السوق العقارية الخليجية. ويقيِّم المستثمرون صفقاتهم العقارية المحتملة على أساس معيار العائد، وهو المعيار الأكثر أهميةً في هذا السِّياق، ويُقصد به حساب قيمة العقار بناءً على العائد النقدي الفعلي من الإيجار وازدياد القيمة الرأسمالية للعقار. ومع تراجع القيمة الرأسمالية ودخل إيجار العقارات المختلفة فإننا نشهد ما يشبه الحاجز الذي يفصل بين ما يمكن أن يقبله البائعون العقاريون، وما يمكن أن يقدِّمه المشترون العقاريون، ويشير الاقتصاديون في العادة إلى الفرق بين توقعات البائعين والمشترين بمصطلح (الفجوة بين السِّعر والعائد). ووفقاً لتقرير (كولييرز إنترناشيونال) فإنَّ هذه الفجوة مازالت قائمة ولم تظهر بعد نقطة التقاء بين الطرفين بسبب تردّد البائعين العقاريين في تغيير تركيبة ممتلكاتهم وأصولهم العقارية في ضوء التغيرات العالمية الراهنة.
وفي المحصِّلة يقول محللو (كولييرز إنترناشيونال) إنَّ مسألة الفجوة بين السِّعر والعائد ستظل المسألة المهيمنة على السوق العقارية الخليجية، ورغم ذلك فإنه من المُرجَّح أن تستقر أسعار الأصول العقارية في الأمد البعيد، وأن يقترن ذلك بانتعاش الحركة الاقتصادية.
وأقرَّ ألبرت بالمصاعب الجمّة التي تواجه الصناعة العقارية في اللحظة الراهنة، وقال: (في هذه اللحظة لابدَّ أن يعتمدَ عملاؤنا على مشورة الخبراء العقاريين، والاستشارات الواقعيّة المستندة إلى بيانات وحقائق دقيقة، وأن ينأوا بأنفسهم عن التمني، إذا ما أرادوا حقاً أن يتعاملوا مع الظروف غير المواتية الحالية بالشكل الأمثل، وخلال الصيف المقبل قد تظل أسعار النفط عند مستويات منخفضة، مع تواصل التأثير الكبير لعملية تقليص الشركات لإعداد موظفيها، وهذا سيظل من العوامل المؤثرة بطريقة غير مواتية في ثقة وحماسة المستثمرين العقاريين).
وختم ألبرت قائلاً: (رغم توقعاتنا بأن نشهد في عام 2010 فترة توازن من المؤمَّل أن تتفق خلالها توقعات البائعين والمشترين العقاريين، فإنه في غياب أيّ محفزات اقتصادية عالمية قوية في هذا الصَّدد، فإنَّ مثل هذا التوازن سيظل من باب التفاؤل لا أكثر).
وحدّدت (كولييرز إنترناشيونال) عدداً من التوجهات اللافتة في دبي والمنطوية على مؤشرات قد تضمن استرداد المستثمرين العقاريين لثقتهم. وأهمُّها على الإطلاق تحسّن الاقتصاد العالمي بشكل ملموس، ومن المهمِّ للغاية أن يقترن ذلك بصعود أسعار النفط، ووجود إصلاحات تشريعية وتنظيمية تهدف إلى تحقيق المرونة في سوق العمل، ومن المؤشرات الأخرى التي قد تساعد في استرداد المستثمرين العقاريين لثقتهم قدرة المطوِّرين العقاريين الرئيسيين على التركيز على عقاراتهم القائمة بالفعل، وإعطاء الأولوية (للسكن ذي التكلفة المعقولة) في المستقبل، وتحول أنشطة المستثمرين العقاريين نحو الأصول العقارية المكتملة التي تحقق دخلاً مجزياً والمصمَّمة لتلائم قطاعاً عريضاً من السكان ذوي المداخيل المختلفة.
وأما (التأثير المتتابع) للأزمة الراهنة على الأسواق العقارية ببلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فسيظل محكوماً إلى حد بعيد بمدى تعرض تلك البلدان للمنظومة الاقتصادية العالمية من جهة، ونسبة المستخدمين العقاريين النهائيين إلى المستثمرين الحقيقيين ودورهم في تحفيز توجهات القيمة الرأسمالية على امتداد الأعوام الماضية، ويشير التقرير إلى أنَّ القيمة الرأسمالية في الأسواق العقارية التي يشكل الوافدون نسبة مهيمنة فيها مثل أبوظبي ودولة قطر، قد تأثرت كثيراً بسبب الاستثمارات المضاربة، في حين تبدو المملكة العربية السعودية أكثر استقراراً بسبب تواصل الطلب القوي بين الشريحة المحلية التي تستهدفها الصناعة العقارية.