عاش الشعب الكوسوفي المسلم طيلة عقود عديدة تحت الظلم الصربي الذي مارس حكامها صنوفا من التمييز العرقي والديني مع شعبها المسلم المحتل وطنه. فقد ألحقت مقاطعة (قوصوة) الألبانية وهذا اسمها الإسلامي في العهد العثماني إلى صربيا والجبل الأسود إثر هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وقطعت أجزاء كثيرة من الدولة الألبانية المسلمة عام 1912م بعد دخول الجيوش الأوروبية إلى كافة الأقاليم الإسلامية التي تم فتحها من قبل الدولة العثمانية في صدور حكمها مثل بلغاريا ورومانيا والبوسنة والهرسك وكرواتيا حتى فيينا عاصمة الامبراطورية النمساوية آنذاك. وبقي اقليم كوسوفو تحت الحكم الصربي الذي عانى الشعب الكوسوفي المسلم من حجب حرياته السياسية والدينية فالصربي الذي يعيش في هذا الإقليم كأقلية ونسبته السكانية 5% تسلم السلطة التنفيذية كاملة وحكم المسلمين بالحديد والنار وسيطر على كافة الموارد الاقتصادية للإقليم، وأصبح الصربيون يشكلون الطبقة المتنفذة والغنية، أما الأكثرية الإسلامية والتي تشكل 93% من مجموع السكان فهم مسلوبو الإرادة السياسية يعيشون في مجموعات سكانية فقيرة بل أفقر أقلية سكانية في مجموع الشعب الصربي في دولة صربيا والجبل الأسود ككل!
وتعرضت مقاطعة كوسوفو إلى تغيير سياسي حين استيلاء الجيوش الإيطالية على مناطق واسعة من صربيا وألحقت كوسوفو بألبانيا التي كانت تحت النفوذ الايطالي، ولكن هذا الوضع الجديد لم يستمر طويلا حيث أعيد هذا الاقليم غير المستقر أمنيا وسياسيا نتيجة للتطورات الدولية من حوله، فبعد انهزام التحالف الإيطالي الالماني في الحرب العالمية الثانية عادت مقاطعة كوسوفو ثانية إلى مجموعة الاقاليم المشكلة ليوغسلافيا الاتحادية عام 1946م وتمتع شعبها بالحكم الذاتي حين إعلان الدستور الجديد لمجموعة الأقاليم اليوغسلافية آنذاك والمشكلة في اتحاد صربيا والجبل الأسود وكرواتيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو في عهد تيتو، وأصبح الشعب الكوسوفي المسلم مرة أخرى وتحت نفوذ الأقلية الصربية المهاجرة إلى الإقليم ألغى الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الحكم الذاتي لكوسوفو وضمها لصربيا، وأمام هذا التسلط الاستعماري الصربي نظم شباب كوسوفو بقيادة الأستاذ الجامعي إبراهيم روغوفا حزبا سمي (بالاتحاد الديمقراطي) والذي اختار النضال السياسي السلمي منهجا لتحرير شعب كوسوفو المسلم من نير الاحتلال الصربي، وفي خلال عام واحد من العمل السياسي الحثيث نظم الشعب المسلم في كوسوفو استفتاء عاما بمساعدة الأمم المتحدة وبدعم أوروبي وأمريكي وجاءت نتائجه مذهلة للصرب حيث صوت أكثر من 90% من سكان كوسوفو لمطلب الانفصال عن صربيا وإقامة وطن مستقل لكوسوفو!
وبعد عامين من تنظيم مجموعة اقاليم كوسوفو تحت سقف الحزب الاتحادي الديمقراطي أعلن البرلمان الكوسوفي ذو الأكثرية الألبانية المسلمة قيام جمهورية كوسوفو واختيار ابراهيم روغوفا رئيسا لها واصطدم هذا الإعلان بقيام النظام الجمهوري الكوسوفي بمعارضة شديدة من قبل حكومة بلغراد الصربية وصرح البطريك الصربي بافلي وهو ممثل الكنائس الارثوذكسية في بلغراد خلال عيد الميلاد عام 1993م أي بعد عام من إعلان الجمهورية الكوسوفية حيث جاء في خطابه (ينبغي على الصرب أن يرغموا الذين أساءوا إليهم على الإدراك بأن الصرب كانوا الأقوى عبر التاريخ ولا يزالون! أدعو الصرب في كوسوفو إلى الصمود والمقاومة حتى النهاية لأنهم لو خسروا كوسوفو وتركوها للمسلمين فهذا سيشكل صفحة كارثية سوداء في كل تاريخ الصرب!
وجاء التصريح المتطرف لرئيس جمهورية الصرب السابق ميلوسوفتش مثالا سيئا للحقد العنصري الديني حين قال (نحن مستعدون للتضحية بثلاثمائة ألف مقاتل صربي من أجل استئصال الوجود الإسلامي في أوروبا من سراييفو حتى برشتينا) ولم ترهب هذه التصريحات اللاإنسانية الحاقدة شعب كوسوفو المسلم وانتهى عهد ميلوسوفيتش بنهايته أثناء محاكمته دوليا بتهمة الابادة العرقية والتمييز العنصري!
ويشكل اعتراف المملكة العربية السعودية لبنة جديدة في بناء دولة كوسوفو وفي محيطها الدولي ويأتي هذا الاعتراف الإسلامي من دولة تهتم بالشأن التحرري الإسلامي في جميع أنحاء العالم وليشكل الرقم الثامن والخمسين من عقد الدول المعترفة بجمهورية الكوسوفو دعما حقيقيا لشعب كوسوفو المسلم في إشغال مقعدها المستحق بين الدول الحرة في منظمة الأمم المتحدة.
عضو هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية