وكأن أبوالطيب المتنبي يصف حال أهله في العراق حينما قال بيت الشعر الشهير:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً له ما من صداقته بد
وهكذا فالعراقيون يتابعون خطط البنتاجون الأمريكي لسحب قواته من العراق في نهاية عام 2011 لتحقيق وعود ورغبة الرئيس أوباما، وللتخلص من المشكلة التي أورثه إياها بوش وتقليص الإنفاق العسكري في ظل الأزمة المالية العالمية، وهذا الإجراء بقدر ما يريح الأمريكيين إلا أنه يتعب العراقيين؛ فبعد تدمير البلاد ونسف التوازن السلطوي والاجتماعي والسياسي تبرز العديد من المشاكل، ويكشف انسحاب الأمريكيين الكثير من الإشكالات؛ إذ تثير مشكلة معلقة حول توزيع صلاحيات السلطة الحقيقية بين ممثلي الفئات الثلاثة الأساسية في العراق قلقاً شديداً، وليس هناك وضوح بصدد وضع المنطقة الكردية الذاتية وحدودها.
ويشير الخبراء إلى أن أربيل تقوم في الوقت الحالي بحملة لطرد العرب من المنطقة الكردية والمناطق المجاورة لها (كركوك وموصل وخانقين) على الرغم من احتجاج بغداد الرسمي، ومن الواضح أن الزعماء الأكراد يتجهزون للمواجهة حتى المسلحة بالسلطات المركزية والتي قد تكون أكثر حدة بعد انسحاب القوات الأمريكية اللاعبة دور قوة محافظة من العنف.
هناك أيضاً خطورة للنزاع المسلح واسع النطاق بين أهل السنة والشيعة في العراق. وتتزايد في الوقت الحالي وبصورة مستمرة حدة التوتر بين مقاتلين سابقين لجماعة الصحوة السنية وأفراد الجيش والشرطة الموالين لحكومة المالكي الشيعية. ويعتبر المحللون السياسيون أنه قد يؤدي رفض زعماء أهل السنة لنهج الحكومة العراقية الرسمية وخاصة في ظروف زيادة النفوذ الإيراني بعد انسحاب القوات الأمريكية إلى انضمام مقاتلين سابقين من جماعة الصحوة (عددهم حوالي 90 ألفاً) إلى المعارضة المسلحة الأمر الذي يسفر عن اندلاع الحرب في العراق، أين منها الحرب الأهلية السابقة؟.
من سلبيات سحب القوات الأمريكية المستعجل من العراق زيادة نفوذ مقتدى الصدر وحركته المتطرفة الشيعية فكان الصدر دائماً ما يقف ضد الوجود الأمريكي العسكري ويستخدم الآن قرار باراك أوباما لسحب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011 بصورة واسعة للدعاية والزعم بانتصاره الخاص، وبإمكان رجل الدين هذا أن يستفيد من هذا الوضع وأن يكون منافساً حقيقياً للإدارة العراقية الحالية في أقرب وقت وفي حالة تقديم المساعدة له من طهران، وحينها سوف يقوم الصدر بإبعاد المالكي من السلطة.
وعلاوة على هذا لا تزال قدرة الجماعات المتطرفة كبيرة في أراضي العراق؛ فتسجل استخبارات القوات الدولية في العراق إعادة تشكيل وحدات المقاومة والتوحيد بين الجهاديين والبعثيين في بعض المناطق الممكن اعتبارها هادئة، وكذلك إنشاء الخلايا النائمة فيها. وبقدر انسحاب القوات الأمريكية من العراق سيزداد نشاط تلك الوحدات الأمر الذي لا يهدد السلطات المحلية والجنود الأجانب في البلاد فحسب، بل يهدد استقرار الدول المجاورة للعراق، ومن المتوقع أن تتحول بعض المناطق العراقية (أنبار وديالى) التي لا تسيطر عليها بغداد رسمياً بصورة كاملة إلى نقط الاعتماد لمقاتلي القاعدة أو الجماعات المرتبطة بها. ومن المتوقع أن يزيد حزب العمل الكردي في نشاطه في شمال البلاد في ظروف عدم المراقبة الأمريكية وتفريط سلطات كردستان التي تريد توثيق علاقتها بالأكراد، وهذا ما سيؤثر على العلاقة بين بغداد وأنقرة.
كل هذا يجعل العراقيين الذين أضر بهم الاحتلال الأمريكي أن يطلبوا من الأمريكان أن يرتبوا الوضع ويعيدوا للعراق عافيته قبل أن يغادروه، فمثلما جاؤوا إليه عليهم أن يسلموه لأهله وليس تقديمه لقوة إقليمية طامعة..!!
jaser@al-jazirah.com.sa