لم تعد قضية مناقشة حق المرأة في التعليم أمرا مطروحا بعد كل هذه السنوات من العمل الجاد من قبل القيادة الرشيدة وصناع القرار لخلق مناخ أكثر إيجابية في مجال التعامل مع قضية أساسية كالتعليم لكن المسألة اليوم صارت أكثر تعقيدا بعد كل هذه التحولات التي تشهدها المرأة سواء في المجال العام أو الخاص بحيث صارت النساء بعد الثانوية يتخبطن ما بين منافذ محدودة على مستوى الدراسة الجامعية..
أو العمل أو العثور على فرصة تدريب، أعداد أكبر من النساء يتخرجن من الثانوية لكن ما هو متاح لهن لا يوازي أكثر من ثلث أعدادهن للحصول على دراسة جامعية أو تدريب في ما بعد الثانوية بما يمكن أن يحسن فرصهن للعثور على عمل بمهارات لم يزودها بهن تعليم ثانوي تقليدي يحتاج كأول ما يحتاج (ومثل كل أضلاع تعليمنا) إلى هزة قوية توقظه من سباته العميق؟؟؟؟.
ما هو متاح من تعليم ثانوي للمرأة في هذا البلد يمثل القناة التعليمية الوحيدة التي يتاح للمرأة من خلالها إكمال تعليمها فوق الثانوية رغم أن هذا التعليم ظل على شكله التقليدي الذي عرف به منذ إنشاء أول ثانوية للبنات في السعودية في الستينات حيث تدرس الطالبة سنة عامة ثم وكما نعرف جميعا تخير بعد ذلك بين تخصصين رئيسين: أدبي أو علمي وحيث إن التعليم المتاح للمرأة في السعودية مبني على مسلمات تحدد مخرجاته في تخصصات محدودة يغلب عليها الطابع النظري وتقع في الغالب الأعم ضمن نطاقي التعليم والصحة إلا مع استثناءات محدودة اليوم.
لذا تتجه معظم الدارسات لدراسة التخصص الأدبي في الثانوية مقابل الدراسة في القسم العلمي الذي قد يتيح لهن خيارات أكثر بعد التخرج من الثانوية والتي لا تتحمس لها الكثير من الفتيات بسبب أن الفرص للالتحاق بالجامعات ضئيلة في كل الأحوال ولكافة الخريجات من الفرعين العلمي والأدبي ومن ثم فأن مزيدا من الجهد لدراسة المواد العلمية في الثانوية لا توازيه فرص أكبر لخريجات القسم العلمي للقبول في الجامعات يضاف إلى ذلك أن الدراسة في التخصصات العلمية على مستوى الجامعة إذا أتيح للطالبة مقعدا آمنا في أي منها لا يعني تحسن فرصة عثورها على عمل في السوق فخريجة الكيمياء أو الفيزياء أو طب الأسنان لا تختلف في صراعها بعد التخرج للحصول على وظيفة عن خريجة رياض الأطفال أو الجغرافيا.
هذا مع العلم أن أعداد الطالبات الخريجات من الثانوي للسنوات العشر الأخيرة قد فاقت أعداد البنين في حين لم تزدد فرص التحاقهن أو مقاعدهن على التعليم الجامعي بل ربما تتجه السياسات في الجامعات القائمة لمزيد من التضييق على عدد المقاعد المتاحة للجنسين في السنوات المقبلة للرفع من مستوى المخرجات وجعل الجامعات الحالية مؤسسات قابلة للإدارة في ظل إعداد منطقية مما يعني ضرورة طرح بدائل تعليمية جامعية قادرة على استيعاب هذه الأفواج التي لا تنتهي من الفتيات الشابات.
أول ما يجب أن نفكر فيه هو تعديل نظام الدراسة في المرحلة الثانوية الذي شهد مع البنين عددا من التجارب التي لا أرى أنها نجحت تعليميا في طرح مخرجات متوافقة مع المتطلبات العالمية في المهارات الأساسية التي يجب أن يتحصلها طلاب الثانوية (مهارات علمية ورياضية ولغوية) ولذا حققنا كبلد في الامتحانات العالمية لكل من الرياضيات والعلوم أسوأ المراكز حسب تقرير 2007 (ولنا عودة لهذا التقرير في مقالة أخرى). ( للاطلاع على التقارير ابحث عن TIMSS 2007).
مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم والذي ظل لسنوات ثلاث يراوح في مكانه ولكنه للحق هو الوحيد الذي شمل في برنامج تطويره مدارس ثانوية للبنات: مدرسة واحدة فقط للبنات في الرياض (العدد الكلي 50 مدرسة ثانوية بنين وبنات على مستوى المملكة) ونعرف جميعا أن المشروع تم إيقافه حاليا للمراجعة (؟؟؟؟؟؟؟؟؟).
في ظني أن الأمر لا يحتاج إلى اختراعات عالمية.. فنماذج التعليم الثانوي الناجحة تملأ الدنيا وما يقدم في الثانوي يجب بديهيا ربطه بالتوقعات العلمية ومستوى المهارات التي على الطالب إدراكها متى دخل الجامعة وهو ما لا يحدث اليوم بسبب رداءة مخرجات النموذج المتبع في الثانوية اليوم للبنين والبنات في المملكة.
كل الطلبة والطالبات وبدون استثناء يجب أن يتحصلوا على حد معين من المهارات يتماشى مع المستويات العالمية التي تخضع لها القياسات اليوم وتبنى على أساسها امتحانات القبول وامتحانات السات (SAT ) وغيرها والمطلوبة للدخول للجامعات وهذا يأتي من خلال فرض متطلبات معينة في هذه المهارات الأساسية (الرياضيات ، الفيزياء ، الكيمياء - اللغات (اللغة الأم واللغة الإنجليزية)) ثم تأتي أية متطلبات جانبية يرغبها المتعلم.
لكن وبالنظام الحالي سواء للبنين (علوم طبيعية، شرعية، إدارية) أو بنات (علمي، أدبي) لا يتحصل إلا ثلث الطلاب على مهارات مقبولة في إحدى هذه المهارات في كل تخصص ومخرجات نظام كهذا جعل أكثر من 90% من طلاب جامعة الملك سعود على سبيل المثال لا الحصر لا يجيدون حتى الحد الأدنى من المهارات الرياضية!! (وحسب الدراسة الشاملة التي قامت بها مؤسسة مكينزي المشهورة لجامعة الملك سعود مؤخرا).
(وتخيلوا مستوى طلاب جامعات أخرى اقل في مستوى مخرجاتها من جامعة الملك سعود وعليكم التأمل ثم الوقوع مغشيا عليكم من الروعة)!! إن هذا التحدي الذي تفرضه أوضاع التعليم الثانوي النسائي يفرض ضرورة مراجعة خطط ومناهج المرحلة الثانوية للجميع إذ يجب أن لا يكون هناك فرق بين البنين والبنات في متطلبات الثانوية لأنها جزء من متطلبات نظام التعليم العام الذي يجب أن يتم الجميع اثنتي عشرة سنة منه كتعليم إلزامي تقدمه الدولة لمواطنيها إجبارا، كما يجب أن تشمل مواده الجميع حتى يتمكنوا ذكورا وإناثا من الوصول إلى مستويات مقبولة في المهارات الأساسية تهيئهم للدراسة بعد الثانوية وتسلحهم بأساليب التفكير العلمي والمفاهيم الرياضية واللغات التي تساعدهم في الدراسة بغض النظر عن التخصص المدروس على مستوى الجامعة إضافة إلى أنها ستقلل من نسب رسوب وتسرب الطلاب على مستوى الجامعة بسبب عدم قدرتهم على إكمال المتطلبات الأساسية للجامعة والتي يجب أن تشمل مواد رياضية وفيزيائية وشخصية للجميع بغض النظر عن التخصص كما هو معمول به في كل الجامعات العالمية اليوم.
لنخرج من عباءة التوقعات المحلية وننظر حولنا فالعالم أوسع بكثير.. بكثير من قوقعتنا الذاتية.... لنلتقط أيدي صغارنا ونركض بهم تحت شمس القرن الواحد والعشرين التي لا ترحم حتى نجد لهم مكانا تحتها.
نتكلم جميعا عن هذا التعليم ومآسيه لكن من لديه القدرة أن يعلق الجرس!! من سيجد مقعدا أو عملا لابنك وابنتي؟؟؟؟؟؟؟