يمثل الكاريكاتير مادة صحافية مهمة في منظومة المواد الصحافية التي تقدم للقارئ العربي. ويعتبر الكاريكاتير من الموضوعات الأكثر قراءة ومتابعة في الصحافة. والكاريكاتير يعرض رموزا مركزة ومختلفة تعبر عن جوهر قضية أو موضوع.
ويضغط الكاريكاتير تفاصيل كثيرة في نقاط مركزة، في إطار عملي مرتبط بعلاقة وثيقة ومحورية بشخصيات من الحياة اليومية. ويعكس الكاريكاتير التعليقات الموجودة في الصور المرئية التفسيرات المفضلة لدى القائمين على بث هذه الصور. وقد عرضت في ورقة علمية في ورشة عمل (الكاريكاتير الصحافي والإعاقة) التي نظمتها الجمعية السعودية للإعلام والاتصال ومركز خدمات الاحتياجات الخاصة للطالبات بجامعة الملك سعود خلال الأسبوع الماضي عن موضوع الكاريكاتير من وجهة نظر سيميولوجية، معتمدا على قراءات متفرقة من الصحافة السعودية والعربية اشتركت جميعها في عرض موضوعات عن الإعاقة، أو وظفت رموز إعاقية في موضوعات أخرى عامة.
والسميولوجيا هي علم الإشارات، وتسمى أحيانا العلامات لدي سوسير، وهي وحدة أو كيان سيكولوجي مجرد قوامُه عنصران متلازمان، هما الدال signifier أو الصورة الصوتية والمدلول signified أي المفهوم، وهما متلازمان، لا ينفكان عن بعضهما البعض، وهناك علاقة عشوائية تربطهما. وما دامت العلاقة عشوائية، فلا بد أن نتعلم المعاني الناتجة عن هذه العلاقة. وفيما يتعلق برسومات كاريكاتير الإعاقة فإن الكاريكاتيرات مليئة بالإشارات signs التي يمكن أن نحددها في إشارات، منها: الكرسي المتحرك، والعصا، وكف البصر، والصمم، والبكم، وغير ذلك. وكل إشارة تعطي دلالة على معنى معين، يرتبط بنوع الإعاقة المقصودة، الكرسي المتحرك يمثل العجز الجسدي، والعصا تعني الإعاقة البصرية، والصمم تعني الإعاقة السمعية، والبكم يعني الإعاقة الكلامية. كما هناك إشارات أخرى تعني الإعاقة الذهنية، ويتم التعبير عنها إما بالشكل العام للوجه، أو بإشارات معينة حول الرأس كعلامة استفهام تعطي دلالة عن إعاقة عقلية لدى الشخص. وتعكس كل إشارة من هذه الإشارات معاني معينة، يحاول فيها المرسل بعث رسائل معينة مرتبطة بهذه الإشارة. وهذه الإشارات هي أدوات تواصل بين المرسل والمتلقي، تساعده على توصيل رسالته إلى المتلقي. وقد عرضت الورقة لمعانٍ أمكن استنباطها من مجموعة الكاريكاتيرات السعودية والعربية، ومن ذلك:
1- القدرة والعجز: تمثل الكاريكاتيرات - في مجملها - مضمونا محوريا، يمثل فكرة العجز مقابل فكرة القدرة.
فالعجز مستمد من مفهوم عدم القدرة الذي تتسم به الفئات المختلفة للإعاقة، مجسدا أن غير هذه الفئات تتسم بالقدرة على التفكير والنظر والسمع والكلام والحركة.
ولهذا تكرس كثير من هذه الكاريكاتيرات هذا المفهوم بقصد أو بغير قصد مما يعمق فكرة الفهم الدارج اجتماعيا عن عدم القدرة لدى هذه الفئات، أي عن عدم قدرة ذوي الإعاقات من ممارسة أمورهم الحياتية بشكل طبيعي.
2- النجاح والفشل: عادة ما يرتبط الفشل بإشارات عن الإعاقة، سواء كانت هذه الإشارات عن أشخاص معاقين، أم كانت عن مؤسسات عربية أو محلية تتسم بالفشل، على الأقل من وجهة نظر رسام الكاريكاتير.
ويوجد النجاح والفشل في بعض الكاريكاتيرات التي توضح أن الإعاقة هي مصدر فشل سواء في الوظيفة أو الدراسة، أو في الحياة الاجتماعية.
كما استعار بعض رسامي الكاريكاتير أدوات وإشارات الفشل والضعف التي يرونها في رموز الإعاقة لسحبها على الواقع العربي، كأن توضع الجامعة العربية على شكل رجل يجلس على كرسي متحرك، برمزية واضحة عن فشل الجامعة العربية عن تأدية دورها في المجتمع العربي والدولي.
أو كأن يوصف العالم العربي في بعض المواقف السياسية بأنه لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، مما يعني فشلا تاما تجاه اتخاذ أي قرار يخدم مصالح الأمة.
وكذلك عندما نصف الحوار الداخلي الفلسطيني بأنه حوار معاقين، بين كرسيين متحركين بدون أشخاص يجلسون عليهما، وهذا يكرس فكرة الفشل بين الأطياف الفلسطينية، منسحبا على رمزية الكراسي المتحركة، أو لنقل غير المتحركة في مثل هذه الحالة. ومثال آخر عند تشبيه وزارات التربية والتعليم في بعض الدول العربية بشخص أو أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة، عاكسين في ذلك رمزية العجز والفشل في مثل هذه الأجهزة. أحد هذه الكاريكاتيرات يصور لجنة تطوير التعليم في بلد ما من بلدان العالم العربي على أنها مكونة من كفيف، وأصم، وأبكم.
3- الدمج والعزل: كثير من الكاريكاتيرات تعكس وضع المعاقين على أنهم جيوب منعزلة عن المجتمع، مما يعكس فعلا أن هذا هو التوجه الحاصل في مجتمعنا العربي.
وقضية الدمج هي مطلب حيوي لذوي الاحتياجات الخاصة، وينادي بها الأكاديميون المتخصصون في التربية الخاصة، ولكن الكاريكاتيرات تكرس مبدأ العزل من خلال بعض الرسومات التي تحكي وحدة الشخص المعاق، أو تعبر عن ألمه، أو توجد له عالما منفصلا عن العالم الطبيعي. وهنا تتكرس العزلة، وتنتفي فكرة الدمج.
4- الجمود والحركة: تمثل عدد من الكاريكاتيرات أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في شكل جمود وحالة من السكون، وهذه الحالة هي عكس ما يدور في الواقع الاجتماعي من حركة ونشاط وتفاعل مع مختلف أنماط الحياة.
5- الفرد والمؤسسة: تميل كثير من رسومات الكاريكاتير العربية إلى فردنة الإعاقة، وتحميل الفرد المعاق في أكثر الأحوال مسؤوليات أوضاعهم وتفاقم مشاكلهم والصعوبات التي يواجهونها.
6- نحن وهم: تفترض بعض الكاريكاتيرات أن العالم منقسم إلى قسمين، نحن - الأشخاص العاديين - وهم - الأشخاص غير العاديين.
وهذا التقسيم يتجلى عندما نقول (عندهم أخو معاق)، أن نتكلم بصيغة طلبات وتطلعات لهم، مجسدين انسلاخهم من المجتمع العادي، وأنهم مختلفون عنا. ويعمد بعض رسامي الكاريكاتير إلى تقسيم الكاريكاتير إلى قسمين، احدهما طبيعي يعكس حالات اعتيادية في المجتمع، والآخر يعكس حالات غير اعتيادية أبطالها أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
7- أنا وأنتم: وهنا يضع المرسل (رسام الكاريكاتير) نفسه مقابل الجمهور العام، مفترضا أنه قد أدى رسالته الإعلامية على أفضل وجه، وبهذا يكون قد حمل الجمهور مسؤولية التعامل مع أوضاع الإعاقة في المجتمع..
الكاريكاتير في الصحافة العربية هو أداة من أدوات التواصل مع الجمهور الإعلامي، وهو مضمون بارز من مضامين الصحافة، إن لم يكن هو الأبرز. وقد تعاملت هذه الورقة مع مجموعة متفرقة من الكاريكاتيرات من خلال التحليل السيميولوجي، وتحديد استخراج الإشارات، واستنباط المعاني. وقد تم عرض سبعة معاني رئيسة عن هذه الرسومات الكاريكاتورية.
جميعها مبنية على فكرة التضاد الثنائي المستمد من إشارات حاضرة وإشارات غائبة في النص الفني..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa