في الجدل الاجتماعي ظاهرةٌ تستوقف المتأمل، فبعض المنتمين للتيّار الإسلاموي (تأصيلاً أو متابعة) لا يحفلون بمناقشة الرأي بل بمحاكمة الكاتب، وربما اغتابوا أو ظلموا، وهم يعلمون - قبل غيرهم - أن (الغيبة أشد من الزنا)، و(الظلم ظلمات يوم القيامة)، والله سبحانه (أعلمُ بمن اتقى).
* وثمة أخرى؛ إذ نتوهم حين نظن المحاور هو من يُرى شخصه أو مُعرَّفه في المنتدى المنبري والإلكتروني، وننسى محركيهم خلف السُّتُر الذين يبعثون بهم لينوبوا عنهم في التنديد وربما التهديد، وبعث رسائل صادمة تتجاوز الكلمات إلى اللّكمات، هنا لا يعود الحوار ذا جدوى، فلا مواجهة مباشرة، ولا مجادلة بالتي هي أحسن.
* وكنا نأمل أن يتصدى مفكرونا لتحديد الثوابت الدينية والوطنية؛ إذ هي سبب الافتراق بين الأطياف المختلفة، فالمجتمع تجاوز كثيراً من التشابكات، بعد جدل امتد واحتد، وفرّق ومزّق، ولو كانت ثوابت لوقف دونها، فلا مجال لمن يناقش أركان الإسلام والإيمان، ولا مع من يمسُّ الوجود والحدود، وهكذا سيظل المجال مفتوحاً لمن يتحدث فيما دون ذلك من مناهج التعليم المتغيرة، ونظام الهيئة الإداري، وعمل المرأة المتنامي، وحق المواطن في العدالة والحرية والعيش الكريم، ومثلها قيادة المرأة، وفتح دور السينما، وحقوق الإنسان، والفساد الإداري والمالي، دون أن يُتهم في ولائه أو انتمائه.
* خذوا هيئة الأمر بالمعروف مثلا، فقد طال الجدل حولها واستطال بين الغالين والقالين، وأصبحت مركزاً لاختلافات عميقة بين المؤيدين والمنددين، والمشكلة أن كلا الفريقين ينطلقان من مشاهداتٍ شخصيةٍ يقع مثلها في كل الأجهزة الحكومية؛ ما يجعلنا نمدح أو نقدح وفقاً لما نراه في شخوص من نراجعهم من لين ولطف وبشاشة وإنجاز أو ضدها.
* هذا الجدل لن ينتهي، ففي خدمات التعليم والصحة والأحوال والجوازات والمحاكم وغيرها حكايات متناقضة لمن رأى ما يسره وما يضره، وكان الأجدى أن يتم النظر إلى الوضع التنظيميّ للهيئة بما يعدل ويبدل، وفقاً للمستجدات، وبما يضمن عدم تداخل الاختصاصات، والوصول إلى (هيكلة) تتحقق فيها مقاصد الشرع، وكرامة المواطن، واتساع الوطن.
* ولعل مركز الحوار الوطني بحاجة إلى أن يراجع أداءه بمواجهة وشفافية ومباشرة، ويرى إن كان له تأثير، وأين هو من القضايا التي تشتعل في الساحات والمنتديات والمجالس الخاصة؟ وما موقفُه وموقعه في الأمسيات التي تشهدُ احتداماً وخصاماً؟ أو ليست جديرة بأن تكون ضمن برنامج الحوار الوطني؟ معذرة فنحن لا نراه.
* الحوار مسار لا إسار.
Ibrturkia@hotmail.com