يعتبر السعي للتطوير والارتقاء مطلب شرعي وضرورة وهو من الجوانب التي يحث عليها الإسلام في جميع مناحي الحياة فهذه المرافق الاقتصادية وهذه المرافق الإعلامية وهذه المرافق الخدمية والبلدية وغيرها كثير ما هي إلا نتاج فكر يسعى للتطوير.
إن هذا الاهتمام بكل أشكاله وجميع مناحيه حين يحمل صبغة التجدد والديمومة يحقق الإنجازات تلو الإنجازات ويرسخ حقيقة أن كل هذه الجوانب لابد أن يحفزها ويدفعها للبروز والترجمة همة عالية راسخة المبدأ شامخة القوام لا منتهى لغايتها.
وإن مما ينبغي أن يتميز فيه المؤمن علو همته كما بين ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في قوله: (سبق درهم مائة ألف)، قالوا: يا رسول الله، كيف يسبق درهم مائة ألف؟!، قال: (رجل كان له درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدق به، وآخر له مال كثير، فأخذ من عرضها مائة ألف) رواه أحمد وغيره.
وهنا لابد أن نعرف كبير الهمة فهو من يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته كما أنه يرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين بالصعاب.. وعلى ذلك فإن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيء في الدنيا فسوف يكون زائداً عليها، ومن ثم فهو لا يرضى أن يحتل هامش الحياة، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضو مؤثر فيها:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا
ولم أقتبس علما فما هو من عمري
ولقد تواردت نصوص القرآن والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور، والتسابق في الخيرات، وتحذيرهم من سقوط الهمة، وتنوعت أساليب القرآن في ذلك.. ومنها: ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة: حيث قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ومنها: ثناؤه سبحانه على أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.. {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} ومنها: أنه عبر سبحانه عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة، والقوة في دين الله {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ} ومنها: أنه سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية، والتنافس في الخيرات {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}.
وأما السنة الشريفة فمليئة بالكثير من الصور.. قال صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها) وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفاسفها) وقال صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: (إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل) وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس.. فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة) فها هي الهمة وذلك العطاء الذي يسطر بمداد على أرض الواقع من خلال ما تترجمه هذه الكلمات من أفعال.