رحلة (شيكلتون) إلى القارة القطبية واحدة من أشهر قصص إدارة الأزمات في التاريخ، حيث أبحر شيكلتون بسفينته متوجهاً نحو القارة القطبية على أمل أن يتمكن من عبور القارة سيراً على الأقدام، ولكنه فُوجئ بالأزمة الأولى حين علقت سفينته بالثلج، وبقي هو وطاقمه على هذا الحال عدة شهور، ثم
.....غرقت السفينة بطاقمها المكون من 27 فرداً على بعد 1200 ميل من الحضارة ولايوجد معهم سوى قدر ضئيل جداً من الإمدادات.
ومن المثير للدهشة أنه تمكن من إنقاذ طاقمه واللجوء بهم إلى جزيرة قريبة باستخدام قوارب النجاة، ثم قرر شيكلتون تقسيم طاقمه، حيث ترك عدداً من أفراد الطاقم على هذه الجزيرة تاركاً لهم قدراً محدوداً من الإمدادات وتوجه بباقي أفراد الطاقم على أحد قوارب النجاة إلى محطة لصيد الحيتان على بعد 800 ميل، وتمكَّن شيكلتون بالفعل من إنقاذ طاقمه ولم يفقد أياً من أفراد طاقمه على الرغم من كافة الصعاب التي واجهته.
إدارة الأزمات أحد الفروع الحديثة نسبياً في مجال الإدارة، وتتضمن العديد من الأنشطة، يأتي على رأسها التنبؤ بالأزمات المحتملة، والتخطيط للتعامل معها والخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
دعونا نستعرض بعضاً من الأزمات التي حدثت عندنا، بالتأكيد تذكرون العاصفة الرملية التي اجتاحت الرياض وعدداً من مدن المملكة التي أدت إلى شلل شبه تام في بعض الطرقات الرئيسة, بسبب حوادث جماعية أثَّرت بشكل بالغ في الحركة المرورية.
وارتفع عدد المرضى والمراجعين لأقسام الطوارئ بمستشفيات منطقة الرياض, بسبب موجة الغبار التي سببت الكثير من المشاكل لدى مرضى الربو وحساسية الشعب الهوائية.. إضافة إلى تعطل الملاحة الجوية في مطار الملك خالد الدولي.
لقد أظهرت هذه الأزمة كم نحن محتاجون لإدارة الأزمات بشكل علمي مدروس، ويمكننا قراءة بعض الشواهد التي تعزز هذا التوجه، من ينكر أن ثمة فجوة (أو لنقل عدم تنسيق) بين عدد من القطاعات الحكومية؟
إليكم مثالاً بسيطاً نشرته (عكاظ) في - عددها - رقم (15537)، مديرة مدرسة رفضت خروج الطالبات والمعلمات رغم اعتذارها عن الحضور وأمرت الحارس، أن يغلق المدرسة ولا يفتحها إلا بعد الساعة الواحدة والربع كما هو محدد يومياً, مما جعل بعض المعلمات يخرجن بالقوة دون إذن ليأخذن أبناءهن من مدارس أخرى.. كما حدثت حالات إغماء لدى الطالبات المصابات بالربو مما استدعى المعلمات الاتصال بالدفاع المدني لإخراجهن من المدرسة, إلا أن الدفاع المدني أفاد بأنه لا دخل له بقرارات وزارة التربية والتعليم.. أرجو أن لا يأتي من يقول إن هذا تصرف فردي، فالشواهد كثيرة ليس المجال هنا لنشر الغسيل.
يجب أن نشكر هذه الأزمات التي عرَّفتنا أين نتجه، ويجب أن نتوجه بذات الحماس إلى تبني حلول عملية، فبلادنا تشهد طفرة اقتصادية مقبلة تتطلب مزيداً من العمل لا الكلام لمستقبل آمن، بدلاً من الإشارة بأصابع التقصير لجهات عملت ما في وسعها ووفق ما هو متاح من إمكانات، مثل مصلحة الأرصاد والدفاع المدني والتعليم والصحة، نريد حلاً عملياً مدروساً، مثل القرار الصادر في عام 1406هـ الأول من نوعه في تاريخ إدارة الكارثة في المملكة العربية السعودية إذ صدر نظام الدفاع المدني بالمرسوم الملكي رقم (م - 1)، القاضي بتشكيل مجلس الدفاع المدني وتحديد اختصاصاته وتحدد دور الجهات والمصالح الحكومية وكذا توسيع نطاق مهام واختصاصات المديرية العامة للدفاع المدني، وعليه فإن منظومة إدارة الكوارث في المملكة تتمثَّل في جهاز الدفاع المدني المكون من مجلس الدفاع المدني واللجنة التحضيرية لمجلس الدفاع المدني واللجان المحلية للدفاع المدني في المناطق والمديرية العامة للدفاع المدني، ويتكون مجلس الدفاع المدني من 17عضواً يُمثِّلون معظم الوزارات في الدولة، ويترأسه سيدي صاحب السمو الملكي وزير الداخلية.
قبل أن أنسى دعوني أعود إلى كارثة الرحلة القطبية التي ذكرتها بدايةً حيث يقدم (مارجوت موريل وستيفاني كاباريل) تحليلاً للدروس المستفادة من تجربة (شكيلتون) في كتابهما: (طريق شكيلتون: دروس القيادة من مستكشف القارة القطبية الجنوبية العظيم).. إن شكيلتون لم يقرر لطاقمه ما الذي يتعيَّن عليهم القيام به، ولكن جعلهم جميعا أطرافاً في عملية اتخاذ القرار وظل معنياً بشكل شخصي بكافة معطيات الأزمة.
لقد كانت لدى شكيلتون قناعة أنهم يستطيعون إنجاز ذلك الأمر بشكل جماعي، لقد مثَّل شكيلتون مصدر إلهام لكل فرد من أفراد طاقمه للقيام بأشياء رؤوا أنها ليست في الإمكان.
وعلى الرغم من صعوبة أن يواجه أي فرد موقفاً عصيباً للغاية مثل ذلك الموقف، يظل النموذج الذي قدمه شكيلتون نموذجاً يُحتذى في مواجهة لحظات التحدي التي تُمثِّلها الأزمات التي قد تطرأ على طريق (تحقيقك مجدك الشخصي)، انتهى التحليل وبقي أن أسأل:
ألم يحن الوقت لأن يكون علم إدارة الأزمات متطلباً أساسياً يجب أن نتعلَّمه في كل إدارة حكومية لدينا؟
Mk4004@hotmail.com