وجدت نفسي في زورق قديم متهالك أبحر فيه في بحر الحياة المتلاطم الأمواج.. زورق يخلو من أبسط أسباب الراحة والهناء لا يقوى على المسير، لا يتقدم للأمام خطوة إلا عاد خطوات للوراء.
وحدي في ذلك الزورق الصغير إن تكلمت قال الناس عني: تكلم نفسها؟ أبهى شيء؟ حولي المراكب والبواخر والسفن الراقية الرائعة الجمال مخملية الملمس مذهبة الأطراف تضيء فوق شرفاتها اللآلئ والجواهر يسيرون فوقها مثنى مثنى أو جماعات متآلفين متحابين.
ما الذي جعلني أسير بقربهم. هم ليسوا من طبقتي، ولست من مستواهم. هم في مراكبهم وبواخرهم تلك يفرحون ويمرحون. أصوات ضحكاتهم تطغى على أصوات الأمواج التي لم يكونوا ليسمعوها. وحدي من استمع إلى أصوات الأمواج الحزينة تضرب صفحة الماء تزمجر بغضب كأنما تطلب مني الابتعاد عن المكان كيلا أوذي تلك اللوحة الرائعة الجمال.
يتكلمون عن أشياء لا أعرفها، يتحدثون عن الحفلات والمناسبات السعيدة والمقتنيات الغالية الثمينة. عن المشروعات الضخمة وعوائدها الهائلة، عن الحياة الكريمة لهم ولأسرهم، عما لذ وطاب من المأكل والمشارب والملابس.. لا أحلم حتى بتذوقها أو رؤيتها، عن المدارس الخاصة والرسوم المالية التي يدفعونها لقاء تلقي أبنائهم العلوم والمعارف بلغات أجنبية.
يتحدثون عن آخر الموضات العالمية، عن الأثاث الفاخر الذي يستبدلونه كل عام، مشغولون دائماً بأمورهم ومناسباتهم وأفراحهم، لا يجدون وقتاً لأعمال روتينية يقوم بها من استعملوهم بأجر زهيد. يلبسون ما غلا وحلا من الحلي والمجوهرات والألماس الذي يدخرون منه ويكثرون.
غفوت قليلاً في ذلك القارب القديم حلمت بكل ما قالوا، رأيت ما لا أستطيع وصفه، حياة كريمة منعمة. أصواتهم تقترب مني وصيحاتهم تتعالى، أنت هيا تحركي، نظرت حولي فإذا بي أمسك قطعة خشب لأطفو بها فوق الماء.
يبدو أن قاربي قد تحطم على حين غفلة مني.. حتى قاربي القديم لم أستطع الحفاظ عليه وتبعثرت أجزاؤه، لكني كنت سعيدة بذلك التغيير، كنت قد مللت ذلك القارب وسئمت وحدتي فيه.
تعبت يداي من التشبث بتلك الخشبة وبدأت قوتي تضعف، أحس أني أنجذب للأسفل لكني لا أحاول الصعود، فلا شيء آسف عليه، بل أستسلم للنهاية السعيدة.