الماء يقترب من حافة الحوض الزجاجي، الحصيات البلورية تملأ أرضيته، والسمكات الرشيقات ذات الألوان المنسجمة، تتخلل الشجيرات الصغيرة والممرات والدهاليز التي زينت بها أرضية الحوض..
تعلو وتهبط، تلتصق ببعضها، تتصارع على الفتات الذي يلقى إليها بين الحين والحين، في زاوية الحوض تنزوي سمكة بعيدة عما يدور في الحوض، وقد التصق وجهها بجدار الحوض الزجاجي، ترى نفسها أكبر من هذه المساحة التي تعيش فيها، تنظر من الحاجز الزجاجي، تشعر بقلق إزاء ارتهانها لهذه المساحة الصغيرة والقوت الذي يأتيها حسب فراغ المحيطين بها الذين يعتنون بها فقط ليستمتعوا بمنظرها، ويخلبوا بها ألباب زوارهم تساءلت عن مصيرها، فيما لو توقفت مصفاة الهواء الكهربائية أو تبخر ماء الحوض، أو هوى الحوض من شجبه، على الرغم من توفر الطعام لديها، فإنها كانت تشعر بنفس الألم الذي تتوقعه، لو نسوا أن يلقوا إليها بالفتات بضعة أيام، ماذا تستطيع أن تفعل بالحصى البلوري والشجيرات البلاستيكية؟!
شعرت بأن حدود الحوض تضيق عليها، تكاد تخنقها على رغم أن السمكات الأخريات تمرح بحرية في كل زواياه، حاولت أن تتذكر كم يبعد النهر عن مكانها، هل تستطيع أن تقاوم الموت حتى تلقي بنفسها في النهر، الوصول إلى النهر يشبه المستحيل، فكرت أن تقفز من الحوض وتجرب، ولكنها ترددت عندما فكرت في ثمن هذه التجربة فيما لو فشلت..
تقترب من سطح الماء، ما تلبث أن تعود إلى مكانها ملتصقة بالجدار الزجاجي الذي يفصلها عن العالم فكرت كثيراً في مثيلاتها اللاتي يتمتعن بمساحات هائلة من الحياة في البحار، والمحيطات ثم قنعت بنهر صغير، تعيش فيه، تسعى إلى قوتها بنفسها لا تنتظره ليأتي من فوقها وقد لا يأتي..
فكرت أنها قد تكون طعاماً لسمكة أخرى أكبر منها لو لم تكن في حدود هذه الزجاجة، شعرت بنوع من الارتياح إزاء هذه الفكرة، لكنها عادت وقالت: في البحار والمحيطات عدد لا يحصى من السمكات الأصغر مني واستطاعت العيش بسلام.. سرعان ما بددت هذه الفكرة حين تذكرت أن تلك السمكات عاشت منذ مطلع حياتها في تلك البيئة فلا غرابة أن تستطيع البقاء، أما هي فغريبة وستكون طريدة لباقي السمكات.. التصقت بجدار الحوض تحدق في العالم من حولها، فتات الطعام تلقى، لتشكل طبقة فوق سطح الماء، قبل أن تبلغ القاع، ألقت بنفسها في أتون معركة البقاء لتظفر بشيء من الفتات.