Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/04/2009 G Issue 13356
الخميس 27 ربيع الثاني 1430   العدد  13356
لماذا تحتفي الفائزة بالجائزة؟
د. ناصر بن علي الموسى

 

الفائزة هي وزارة التربية والتعليم من خلال أحد مشروعاتها المتميزة، وهو مشروع (دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام)، والجائزة هي جائزة جمعية الأطفال المعوقين للخدمة الإنسانية في مجال المشروعات والبرامج المتميزة، ففي حفل بهيج أقيم بهذه المناسبة سلم راعي الحفل صاحب السمو الملكي الأمير سطام بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض بالإنابة تذكار الفوز بالجائزة لسعادة الدكتور محمد بن سليمان الرويشد وكيل الوزارة للتعليم.

وقد احتفى منسوبو الوزارة عامة بهذا الفوز ومنسوبو التربية الخاصة والقائمون على هذا المشروع والمستفيدون منه على وجه الخصوص، وعدوه وساما على صدورهم سيظلون يحملونه ما دامت لهم الحياة، وثمنوا عاليا جهود جمعية الأطفال المعوقين الدائمة في تكريم الأداء المتميز.

والناس جميعا يحتفلون بالفوز أيا كان نوعه ومهما كان مصدره، لكن فوز وزارة التربية والتعليم بهذه الجائزة يتفرد على غيره لأسباب ثلاثة رئيسة:

أولها أن فوز الوزارة بهذه الجائزة قد اقترن في هذه الدورة بشرف فوز مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - ملك الإنسانية وإمام التميز - بجائزة الخدمة الإنسانية للأفراد، كما أنه قد اقترن بفوز بطلين من ذوي الإعاقة في مجال تميز المعوقين، وهما عبدالرحمن الحمدان وأسامة الشنقيطي، واللذان أثبتا - بكل كفاءة واقتدار - أن الإعاقة ليست عجزا وفاقة، ولكنها إبداع وطاقة.

والسبب الثاني أن الجهة المانحة للجائزة هي جمعية الأطفال المعوقين، والمتأمل لمسيرة هذه الجمعية التي تزيد على ربع قرن من الزمان يلحظ بكل وضوح أنها قد مرت بمراحل عدة من التعمير والتطوير، وأنها تقوم على أسس متينة من المرتكزات والثوابت، وأنها قد ولدت قوية، وطفقت تزداد قوة إلى قوتها حتى أصبحت صرحا شامخا في سماء الإنسانية، ورمزا من رموز الخير والعطاء والنماء، ودوحة يتفيأ ظلالها أبناؤنا ذوو الإعاقة من خلال مراكزها المنتشرة في أرجاء بلادنا الحبيبة، وضربت الجمعية أروع الأمثال في التفوق والتألق، وأضحت أنموذجا يحتذى في الأداء المتميز.

وكيف لا، وقائد مسيرتها ومهندس نجاحاتها هو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، الإنسان الذي نذر نفسه ووقته وجهده في سبيل خدمة دينه ومليكه ووطنه، وهو يسير أمورها من خلال رئاسته لمجلس إدارتها الذي يضم صفوة من الأمراء، والعلماء، ورجال الأعمال، كما أن الجمعية قد حظيت بالاستقرار الإداري الجيد، فزميلنا الأستاذ عوض بن عبدالله الغامدي أمين عام الجمعية معروف لدى ذوي الاختصاص بالحكمة والحنكة وبعد النظر، والجد والاجتهاد، والتفاني والإخلاص في العمل، وثمة أمر آخر مهم ينبغي على الجمعيات المماثلة في بلادنا أن تعيه وتستفيد منه، وهو أن الجمعية منذ إنشائها حتى الآن قد أخضعت نفسها وبرامجها للتقويم المستمر داخليا وخارجيا، وهذا يمكنها من التعرف على نقاط القوة، فتعمل على تعميمها، وتحديد نقاط الضعف كي تعمد إلى تلافيها.

ومن خلال هذه المعطيات استطاعت جمعية الأطفال المعوقين أن تنال ثقة الداعمين، وتحوز على رضا المستفيدين، وتكسب المصداقية في أوساط المتخصصين، وتتبوأ المكانة الرفيعة في المجتمع، ويكفيها فخرا أن مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة الذي يعد الآن أحد المراكز العالمية التي يشار إليها بالبنان في مجال تخصصه كان قد خرج من رحمها وترعرع في كنفها، فمزيدا من الرقي والتقدم والعطاء أيتها الجمعية العملاقة.

أما السبب الثالث، فهو أن الفائز بالجائزة هو مشروع (دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام)، وهو مشروع إنساني راق، وحق تعليمي أساسي من حقوق الأطفال ذوي الإعاقة أكده ديننا، وطبقته بلادنا، ونصت عليه المعاهدات والمواثيق الدولية التي توجت بوثيقة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أصدرتها الأمم المتحدة في سنة 2006م، ووقعتها المملكة في العام الماضي، حيث نصت المادة الرابعة والعشرون من هذه الوثيقة على أن التعليم حق من حقوق الإنسان ينبغي توفيره للأطفال ذوي الإعاقة في مدارس التعليم العام كلما كان ذلك ممكنا، والدمج التربوي أسلوب فاعل يعمل على تمكين التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة من البقاء مع أسرهم في بيئاتهم المحلية، وإخراجهم من عزلتهم التي طالما عانوا منها طويلا.

وقد اكتملت في مشروع الدمج التربوي الذي تتبناه وزارة التربية والتعليم جميع مقومات النجاح والتميز، فقد مر بمراحل دقيقة، من التنظير، والتخطيط، والتطبيق، والتقويم، إذ تم التنظير له من خلال إقامة المؤتمرات والندوات، وعقد الدورات والمحاضرات، وإجراء الأبحاث والدراسات في المملكة، وكذلك من خلال الفلسفات التي تقوم عليها الخطط الدراسية بأقسام التربية الخاصة في الكليات والجامعات السعودية، والتي يعمل - مشكورا - على الارتقاء بمستوى أدائها (فريق مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية لدعم وتطوير برامج التربية الخاصة في الكليات والجامعات السعودية).

وتم التخطيط لهذا المشروع من خلال الإستراتيجية التربوية التي تبنتها وزارة التربية والتعليم في سنة 1417هـ، والتي ترتكز على عشرة محاور نص المحور الأول منها على تفعيل دور المدارس العادية في مجال تربية وتعليم الأطفال غير العاديين، وهو ما يعرف بالدمج التربوي، وهذه الإستراتيجية موثقة في كتابي الذي صدر في سنة 1419هـ بعنوان (مسيرة التربية الخاصة بوزارة المعارف في ظلال الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية)، وكذلك في كتابي الثاني المعنون (مسيرة التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية: من العزل إلى الدمج) الذي صدر في سنة 1429هـ.

وشرعت وزارة التربية والتعليم في التوسع في تطبيق أسلوب الدمج في جميع أنحاء مملكتنا الحبيبة ليشمل كافة فئات التربية الخاصة، ووضعت الأنظمة واللوائح التي تحكم عملية تطبيق هذا الأسلوب، وعلى رأسها (القواعد التنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة بوزارة المعارف)، والتي أعدتها الأسرة الوطنية للتربية الخاصة بالوزارة، وهي تضم نخبة متميزة من المتخصصين في الوزارة والجامعات.

ونظرا لما لهذا الأسلوب من فاعلية تربوية ونفسية واجتماعية واقتصادية، فقد أحدث نقلة هائلة في مجال تربية وتعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، فمن حيث النمو الكمي ارتفع عدد برامج الدمج في المملكة من (12) برنامجا للبنين في العام 1415-1416هـ إلى (3171) برنامجا للبنين والبنات في العام الدراسي 1427-1428هـ، كما ارتفع عدد الطلاب المستفيدين من هذه البرامج من (380) طالبا في العام الدراسي 1415- 1416هـ إلى (55490) طالبا وطالبة في العام الدراسي 1427-1428هـ، وهم يشكلون أكثر من 90% من إجمالي المستفيدين من برامج التربية الخاصة في قطاع البنين، وأكثر من 70% من إجمالي المستفيدات من برامج التربية الخاصة في قطاع البنات.

أما تقويم المشروع، فقد تم بواسطة فريق علمي متخصص من الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم وقسم التربية الخاصة في جامعة الملك سعود، حيث قام الفريق بإجراء دراسة علمية بعنوان (الدراسة الوطنية لتقييم تجربة المملكة العربية السعودية في مجال دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في مدارس التعليم العام)، وقد صدرت هذه الدراسة مؤخرا في كتاب عن وزارة التربية والتعليم في المملكة.

وقد أصبحت تجربة المملكة العربية السعودية في مجال الدمج التربوي رائدة ومعروفة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج باسم (النموذج السعودي)، وهو نموذج سعودي حقا، يجمع بين الأصالة المتجذرة في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي غرس في قلوب أبناء هذا الوطن روح المحبة والمودة والإخاء، وبين الجدة المتمثلة في ارتكاز المشروع على أحدث النظريات العلمية، وأعرق التجارب العالمية.

وطفقت دول عربية كثيرة تطلب من المملكة الاستفادة من هذه التجربة الفريدة، وهذا دليل أكيد على المكانة الرفيعة التي بلغتها بلادنا الحبيبة في مجال تربية وتعليم التلاميذ ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة.

ومما يبعث على الاطمئنان والارتياح، ويملأ القلوب بهجة وسرورا أن صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم، ومعالي نائبه الأستاذ فيصل بن عبدالرحمن بن معمر، ومعالي النائب لتعليم البنين الدكتور خالد بن عبدالله السبتي، ومعالي النائبة لتعليم البنات الأستاذة نورة بنت عبدالله الفايز، وغيرهم من المسؤولين في الوزارة، قد أكدوا على أهمية هذا المشروع، وضرورة دعمه كي يستمر وسيلة فاعلة في تقديم أرقى الخدمات لأبنائنا وبناتنا ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، ومكسبا من المكاسب الوطنية التي تسهم في إبراز الوجه الحضاري المشرق للمملكة في المحافل الإقليمية والدولية. وتأسيسا على ما تقدم، فإننا لا نملك إلا أن نرفع أكف الضراعة إلى الله العلي القدير أن يحفظ بلادنا الحبيبة، ويحفظ عليها أمنها واستقرارها، ويحفظ لها قيادتها الحكيمة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء.

-مستشار شؤون التعليم بوزارة التربية والتعليم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد