الحمد لله تعالى والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله..
التراث والثقافة والفنون الإبداعية هي أعمدة أساسية لقيام المجتمعات ونهضتها وتقدمها، ولهذا تتسابق الأمم فيما بينها لإحياء تراثها والوقوف عليه للمحافظة على أصالتها ومعاصرتها (فمن لا ماضي له لا حاضر مشرق يمكن أن ينتظره).. ولهذا فإن تباشير هذه الأعمال قد أرسيت قواعدها وبذرت بذورها اليانعة منذ أن علا صوت (الله أكبر) على سطوح المصمك في عام 1319هـ إنها الانطلاقة المباركة التي تمت بها استعادة الرياض وبدء مسيرة التوحيد وبناء المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الباني الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ورجاله المخلصين، وأخذت بلادنا بالفعل تستعد لإعادة دورها في التاريخ.
لقد أدركت القيادة الحكيمة هذه التغيرات والرياح التي تعصف على الكرة الأرضية نتيجة هذا التقدم العلمي والتقني وثورة الاتصالات التي جعلت من العالم أشبه بقرية كبيرة زالت عنها كثير من الحواجز والحدود.
ولهذا جاء التوجيه الكريم بإقامة المهرجان الوطني للتراث والثقافة في عام 1405هـ الموافق 1985م، ليعمل على أحياء تراثنا وإنماء ثقافتنا وإنهاض إبداعاتنا.
وواصلت المسيرة برعاية ومساندة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليصبح المهرجان الوطني بحمد الله تعالى ثم بالرعاية والمساندة الكريمة، وكذلك تلك المشاركات والمقترحات التي يمحضها له رجال الثقافة والفكر في بلادنا علاوة عن ذلك الدعم المتواصل والمشاركة الفاعلة التي يحظى بها من قبل: إمارات مناطق بلادنا العزيزة ووزاراتنا الجليلة، ومؤسساتنا الحكومية والأهلية المعطاءة.
ولذا فإنّه يفخر بأن يكون أحد أهم المهرجانات في سمائنا العربية وفي هذه الدورة يكون المهرجان قد قطع من مسيرته المباركة خمساً وعشرين سنة عقد خلالها أربعاً وعشرين دورة، وجاء هذا الفرق بين السنوات والدورات في عام 1411هـ حيث لم تقم في هذه السنة نشاطات وفعاليات ثقافية وتراثية، عدا إقامة سباق الهجن فقط ولهذا فلم تحتسب هذه الدورة، وهذا هو السبب الذي جعل هذا الفرق بين عدد السنوات وعدد الدورات.
ولذا يطيب لنا بهذه المناسبة وهي مرور خمسة وعشرين عاماً على إقامة المهرجان الوطني، أن نأتي على المواضيع الآتية:
أولاً أهداف المهرجان الوطني: عند مراجعتك لأهداف المهرجان والتي قام من أجلها تجدها تدور معظمها حول خدمة التراث والمحافظة على إحياء العادات والتقاليد الأصيلة، وترسيخ الحرفة بإحيائها ورعايتها وصقلها, والاهتمام بالمورث وهكذا درج المهرجان على ذلك.
في سنواته الأولى - ولكن مع مرور الزمن والمشاركات المستمرة داخلياً وخارجياً وتنوع المدعوين والمشاركين والمحاور والندوات والمحاضرات, اختلفت الرؤى والتطلعات والآمال فأضحت المواضيع تعالج أموراً غاية في الأهمية: (الإسلام والغرب، والإسلام والشرق, والحوار الإسلامي الإسلامي، والتطرف والبيئة ومشكلاتها، والنفط ودوره في الخليج العربي)، وصارت الاهتمامات العربية والإسلامية والعالمية محوراً هاماً ومجالاً خصباً للتساؤل، وسار المهرجان على هذا الطرح الثقافي، ولكثرة الاستفسارات والرسائل والمقترحات التي تصل إلى المهرجان والتي تبدي وباستمرار إلحاحها على فتح المجال أمام المشاركات الدولية على أرض المهرجان بالجنادرية، لجأ المهرجان إلى دراسة مستفيضة لمثل تلك المشاركات, والتشاور مع الجهات ذات الاختصاص حول جدوى تلك المشاركات وبعد أن تأكد القائمون على المهرجان بوجود أرض صلبة يتكئ عليها المهرجان في محافظته على مكتسباته وقيمه التي وجد من أجلها وهي: حالة الحرفة وتأصيلها على أرض صلبة، كما تجلى دقة البناء وروعة التصميم وترابطه التراثي ومواده التراثية التي انتقلت من مباني الجنادرية إلى مباني المواطنين علاوة على ما قامت به إمارات المناطق في المملكة من جهود كبيرة في أيجاد أبنية تمثل مناطق المملكة المختلفة في مناطقها وتضاريسها، حين ذاك أصبح من الواضح أن أهداف المهرجان تحتاج إلى إضافات جديدة، اقتضتها روح العصر التي تتطلب من المهرجان أن يكون بوابة حضارية وتعريفية لا تقف عند حدود الثقافة والتقنية بل تمتد لتلاقي الشعوب وتمازجها امتداداً لدعوة خادم الحرمين الشريفين الداعية دائماً لاحترام الإنسان وحفظ حقوقه والتعايش الدائم تحت مظلة السلام التي دعا إليها الدين الإسلامي الحنيف، وإدراكاً من المهرجان الوطني لأهمية المشاركة الإقليمية الدولية في بعض من نشاطاته الثقافية والحرفية والتراثية وما تعود على ثقافتنا وتراثنا وإبداعاتنا بكل ما هو نافع ومفيد، لهذا راح يقترح بمشاركة أحدى الدول الشقيقة أو الصديقة في هذه النشاطات والفعاليات وقد جاء التوجيه الكريم على ذلك. وبالفعل في دورة المهرجان الثالثة والعشرين تمت مشاركة جمهورية تركيا الشقيقة، وفي دورة المهرجان الرابعة والعشرين المنصرمة شاركت جمهورية روسيا الاتحادية الصديقة، وفي الدورة الخامسة والعشرين ستشارك بإذن الله تعالى جمهورية فرنسا.
ولا يخفي على كل نبيه ومهتم بالعمل الثقافي والتراثي الآثار الإيجابية المترتبة على مثل هذه المشاركات، والتي لاقت الاستحسان والإطراء من جموع المتابعين والزائرين والمهتمين. ولذا فإن المهرجان الوطني يتطلع إلى إعادة صياغة هذه الأهداف بحيث تتلاءم والأهداف التي استجدت بعد خمس وعشرين سنة من الدراسة والتطوير والتطبيق.
ثانياً: المناسبات وتقاطعاتها الزمنية: سار المهرجان الوطني للتراث والثقافة ومنذ بداياته على تحديد وقت انعقاده بتلمس الأوقات المناسبة التي تلائم الأجواء المناخية في مدينة الرياض فانحصرت إقامته مابين الأشهر الميلادية الآتية: يناير، فبراير، مارس، إبريل.. ودرج على ذلك فترات متعددة ثم استقر الأمر في الدورتين الأخيرتين على انعقاده ما بين شهري فبراير - مارس، غير أن المناسبات الثقافية التي استجدت وبدأت تنعقد في تلك الفترة قد أحدثت بعض التقاطعات في تلك المناسبات، فمثلاً عندما يقوم المهرجان باختيار إحدى الشخصيات للمشاركة في برنامجه الثقافي يجد تلك الشخصية، إما مدعوة أو مشاركة سواء كان هنا في المملكة أو في إحدى دول الخليج ولذا فإن المهرجان الوطني مرة أخرى يتطلع إلى جدولة لتلك المناسبات وعلى أعلى المستويات كما هو جار في المسابقات الكروية مثلاً وغيرها من المناسبات الرياضية. لعلي أقف عند هذه المقترحات وعلى أمل التواصل بأذن الله تعالى.
- مدير عام المهرجان الوطني للتراث والثقافة