لا أذكر قراراً اتخذ ولامس وجدان كل مواطني المملكة العربية السعودية، في حجم وأهمية القرار الأخير الذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله ، القاضي باختياره لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي له دلالته القصوى فيما وراء ذلك القرار، من حكمة وليّ الأمر ومعرفته لرجاله من جهة، ومن جهة أخرى تلمسه لرغبات شعبه وإجماعه.
إنّ ذلك الاختيار الحكيم، لم يأتِ من فراغ.. فالأمير نايف بن عبد العزيز، هو حقاً رجل دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وذلك ما أثبتته كل الأحداث التي مرّت بها بلادنا على امتداد الخمسة والثلاثين عاماً الماضية، منذ أن كان سموه نائباً لوزير الداخلية، فوزير دولة للشؤون الداخلية، ثم وزير داخلية، إلى أن وقع الاختيار الأخير عليه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء.
إذاً فإن حديثي هذا لن يكون عن الأمير نايف بن عبد العزيز، بحكم أنه رجل دولة محنك، ولا كذلك بحكم أنه الرجل الذي حارب الإرهاب والتطرف، وأعاد إلى الأمن هيبته، فكل تلك جوانب يشترك الجميع في معرفتها عن سموه..
وذلك ما يجعل الحديث قاصراً على الجوانب غير مشمول العلم بها بسبب خصوصيتها، ومن تلك الجوانب ما كنتُ عليه شاهداً، وتوطئةً وتمهيداً لتلك الجوانب التي سأذكرها لاحقاً أُذكّر بأنّ أول عمل إعلامي مارسته عقب تخرجي من الجامعة هو العمل في وكالة الأنباء السعودية في مقرها الرئيس بالرياض، وكان ذلك أوائل عام 1394ه وكانت وزارة الداخلية من الجهات التي أُنيطت بي تغطية أخبارها ونشاطاتها، الأمر الذي مكنني من الاطلاع على الكثير من الجوانب المشرقة لنايف بن عبد العزيز، وبعد العمل في وكالة الأنباء السعودية، تنقلتُ بين العديد من المؤسسات الصحفية، إلى أن انتقل عملي إلى المجلس الأعلى للإعلام الذي يرأسه سمو الأمير نايف بن عبد العزيز شخصياً، إلى أن أُلغي ذلك المجلس بقرار من مجلس الوزراء ثم انتقل عملي إلى ديوان وزارة الداخلية، مستشاراً إعلامياً في الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه إلى كتابة هذا المقال، وكل ذلك مؤشرٌ على أن حديثي عن الأمير الجليل نايف بن عبد العزيز حفظه الله ، ليس رجماً بالغيب، بل حديث شاهد ومراقب..
الجانب الإنساني لنايف بن عبد العزيز
في عام 1400هـ كنتُ مديراً لمكتب جريدة المدينة في الرياض، وكان أحد زملائنا في المقر الرئيس للجريدة بجدة، من الذين سُجّلت عليهم مآخذ سياسية في الحقبة الناصرية التي شهدت توتراً في العلاقة بين المملكة ومصر، واقتضت تلك العلاقة، إدراج اسم الزميل ضمن الممنوعين من السفر، فضلاً عن الإجراءات الأخرى التي تُتخذ في حق من له مثل حالته..
وفي مناسبة عيد الفطر، كان ابن زميلنا ذلك يلعب مع أقرانه بعض الألعاب النارية المعروفة ب(الطراطيع) ومنها نوع يُثبّت في علبة من علب الصفيح، فتُدفنُ العلبة في التراب، ثم يُشعل النار في فتيل المفرقع، ليظهر منه بعد ذلك دوّي وصعوداً بعلبة الصفيح إلى الأعلى، وتشاء قدرة الله، أن يكون انفجار إحدى تلك الألعاب النارية في وجه ابن زميلنا ذلك، وإصابته إصابة مباشرة في شبكية عينه، بل إنّ الأمر وصل إلى أنّ بعض الشظايا علقت في عمق إحدى عينيه..
وبعرضه على أطباء مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض كتبوا تقريراً يفيد بعدم توفر الجهاز الذي يمكن به إخراج الشظايا من عين ابن الزميل، وشددوا على أهمية وضرورة الإسراع به فوراً إلى حيث يمكن علاجه، مقترحين أن يكون ذلك في مستشفى ذكروه بالاسم في بون عاصمة ألمانيا الغربية يومئذ...
فما كان من رئيس تحرير جريدة المدينة إذ ذاك الأستاذ أحمد محمد محمود، إلاّ أن كتب رسالة مؤثرة لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية، شرح فيها وضع الزميل وتوبته النصوح عن كل ما كانت له صلةٌ بماضيه، معرّجاً على الوضع الصحي الجديد لابنه وفلذة كبده..
ووجهني رئيس التحرير أن أسلم الرسالة لسمو الأمير الجليل نايف بن عبد العزيز يداً بيد...
فماذا كان بعد ذلك من سمو الأمير الجليل بعد قراءته الرسالة؟..
أمر سموه فوراً بما يلي:
1) إصدار جواز السفر لزميلنا وزوجته وابنه المصاب، وشطب اسمه من قائمة الممنوعين من السفر.
2) صرف تذاكر السفر لهم بالدرجة الأولى إلى ألمانيا على نفقة سموه.
3) كتابة برقية عاجلة إلى السفير السعودي في ألمانيا، بعمل الحجز اللازم في المستشفى الموصى به لعلاج ابن زميلنا، مع حجز السكن اللائق لزميلنا وحرمه وكل ذلك على نفقة سموه.
4) مبلغ محترم سُلّم فوراً نقداً، ليكون مصروف جيب للزميل وأسرته.
ولم تمضِ سوى 24ساعة على ذلك، فإذا الشظايا تُزال من عين ابن زميلنا في ذلك المستشفى الألماني، ليعود بعدها إلى أرض الوطن سالماً معافى، وينعم والده بعد ذلك بالتصالح مع نفسه ومجتمعه، وكان بعد ذلك ابناً من أبر أبناء وطنه وصوتاً من أصواتها في وسائل إعلامها إلى أن اختاره الله إلى جواره قبل بضع سنوات رحمه الله.
إنّ في جعبتي الكثير والكثير جداً من إنسانية ذلك الرجل العظيم نايف بن عبد العزيز، وتقديره للعلماء والأدباء وأرباب الكلمة، وقد غادر دنيانا والد زوجتي أديب طيبة الطيبة وشاعرها الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ رحمه الله، وهو قرير العين بالرعاية التي كان يلقاها من لدن صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، الذي لم يرد له طلباً قط مهما كان، ومن ذلك تكليف سمو الأمير نايف بن عبد العزيز في مطلع الثمانينيات الميلادية للسفير السعودي، أن يتولّى شخصياً التفاهم مع مصنع من مصانع السيارات في المملكة المتحدة، بتصميم سيارة خاصة يمكن لمن لهم إعاقة جسدية مثل الأستاذ عبد السلام، أن يقودها بأنفسهم وبمكابح يتعاملون معها بأيديهم وليس بأرجلهم..
وقد اهتم سعادة السفير بالأمر، فلم يجد تلك المواصفات إلاّ في السويد، فما كان إلاّ وقت قصير وإذا بالأديب الشاعر عبد السلام هاشم حافظ، يقود بنفسه في شوارع طيبة الطيبة تلك السيارة المكلفة التي أمر نايف بن عبد العزيز أن تُصنع من أجله وبالمواصفات التي تتناسب مع وضعه الصحي.
إنّ تلك الرعاية من سمو الأمير نايف بن عبد العزيز للأدب والأدباء، التي اختزلتها في المثال الذي مثّلتُ به بأديب طيبة الشاعر عبد السلام هاشم حافظ رحمه الله ، إنما تتجاوز ذلك إلى الآفاق الأكثر رحابةً واتّساعاً، فأقل القليل منها هو فقط ما يظهر للناس، ككرسي سموه للعلوم الإسلامية والعربية في جامعة موسكو وغيرها، وكبنائه المساجد في كثيرٍ من أرجاء الأرض، وتخصيصه جائزة للسنة النبوية في مأرز الإيمان المدينة النبوية، ومن أجل إثراء الدراسات والبحوث الإسلامية، وخصص لها من الأموال المنقولة وغير المنقولة، ما يجعلها خالدة تالدة، على مر الحقب والدهور، بإذن الله الواحد الأحد.
فهي تجمع بين كونها: علماً يُنتفعُ به، وكونها كذلك: صدقة جارية، وهما مما ورد انتفاع صاحبيهما بهما في حياته الأخرى.
أمّا رعاية الأمير الجليل نايف بن عبد العزيز آل سعود للعلماء والأدباء في داخل مملكتنا الحبيبة وخارجها، قديماً وحديثاً، فحدّث عن البحر ولا حرج، ويكفينا للدلالة عليها، ذلك النموذج الرائع منها الذي سجله شيخ العربية أبو فهر محمود محمد شاكر، بمداد من نور في مفتتح سفره القيّم عن المتنبي..
ويقول الأديب الكبير عن ذلك ما نصّه بحروفه:(.......... وقد لطف الله بي فردّ عليّ بصري، ولولا لطفه سبحانه لبقي هذا الكتاب في المطبعة ناقصاً لغير تمام، فالحمد لله وحده.
أمّا الرجل الذي أجرى الله على يديه لُطفه بي، واستنقذني بمروءته من العمى، وحاطني حتى عُدتُ بصيراً، فإنّي لا أملك له جزاءً إلاّ الإقرار بفضله، وإلاّ الدعاء له كلما أصبحتُ وأمسيتُ.
صديقٌ لا تنام صداقتُه عن أصحابه، ورجل لا تغفل مروءتُه عن غير أصحابه.
ثم هو بعدُ غنيّ عن اللقب بمكارم أخلاقه، وفوق كل لقب بسماحة شيَمه: (نايف بن عبد العزيز آل سعود)، ولم يزل منذ عرفته قديماً، يزداد جوهرُه على تقادم الأيام سناً وسناءً، صرّحتُ بذكر اسمه مُطيعا لما يُرضيني، عاصيا لما يُرضيه).
المؤسس الحقيقي لحرية الكلمة
في المملكة العربية السعودية
من المفارقات أن وزراء الداخلية في كثيرٍ من بلدان العالم الثالث، هم الذين كانوا يقفون من وراء قمع الكلمة وسد جميع النوافذ التي توصلها بالشمس والهواء النقي.. ولكن ذلك مختلف كل الاختلاف مع وزير الداخلية نايف بن عبد العزيز آل سعود، الذي هو نفسه رئيس المجلس المجلس الأعلى للإعلام..
وبحكم أنني أحد الذين كانوا يعملون في ذلك المجلس إلى أن ألغي قبل بضع سنوات، فإني أشهد شهادة لله، ثم للتاريخ، أن كل الانفراجات التي شهدها الإعلام السعودي المقروء والمسموع والمشاهد، إنما كان وراءها، هذا الرجل الفذ نايف بن عبد العزيز..
وبعدُ... فذلكم هو نايف بن عبد العزيز آل سعود، الذي جاء اختياره من وليّ الأمر في موقعه الجديد (ضربة معلّم) كما يقول المثل الدارج.
* مستشار إعلامي - وزارة الداخلية
alansari123@gmail.com