بعد أن آل الأمر لأمريكا وقوات الاحتلال في العراق، وبعد أن فوجئ الأمريكيون بقوة وشراسة المقاومة العراقية، وزيف ادعاء من جلبوا الأمريكيين للعراق من أن العراقيين سيستقبلونهم بالورود، حاول جنرالات الاحتلال الأمريكي وضغطوا على المتعاونين معهم، والذين شاركوهم وجلبوهم لتغيير النظام السابق على محاولة الاتصال برجالات النظام السابق أعضاء حزب البعث، وبدأت أولى تلك المحاولات عبر الحكومة العراقية الأولى التي ضمت بعض البعثيين القدماء الذين عارضوا صدام حسين؛ مثل إياد علاوي رئيس أول حكومة نصبها الأمريكيون، وفي موازاة ذلك أجرت قوات الاحتلال الأمريكي مفاوضات مع مختلف الأجنحة البعثية، بعضها كشف عنه وبعضه لا يزال غير معلن وفيها:
أولاً: مفاوضات الجانب الأمريكي، والذي أجرى عدة جولات كان من أهمها: مفاوضات بعد معركة الفلوجة، عام (2004) قامت بها القوات الأمريكية مع عدة أجنحة من أجل وقف تداعيات أحداث الفلوجة، وكشفت تقارير (حزب البعث) أن (بريمر) فوض قادته العسكريين لإجراء محادثات مع أجنحة (البعث) فتم إجراء عدة جولات في سويسرا وأماكن أخرى من أوروبا.
وتذكر التقارير أن تلك المفاوضات قادها (عبدالأمير الأنباري) مندوب العراق السابق لدى منظمة اليونسكو في باريس، واشترط (البعثيون) في تلك المفاوضات إعادتهم إلى السلطة ووقف الدعم لحكومة علاوي آنذاك، وإلغاء جميع قرارات بريمر، والإفراج عن صدام والبعثيين الآخرين في السجون الأمريكية.
مفاوضات السفير الأمريكي زلماي خليل زاد مع جناح يونس الأحمد، فلقد ذكرت السفارة الأمريكية في عام (2005) أنها أجرت عدة مفاوضات مع هذا الجناح، الذي اشترط في مفاوضاته إطلاق سراح المعتقلين، وإشراك البعثيين في العملية السياسية والسماح لهم بالعمل في البرلمان والحكومة.
وقد كشف السفير خليل زاد في مقابلة تلفزيونية، أنه أجرى مفاوضات من هذا النوع قبل أحداث سامراء وبعدها.
مفاوضات الجانب الأمريكي مع جناح الدوري، في عام (2007) وذلك في العاصمة الأردنية عمان، وقد قاد المفاوضات السفير الأمريكي في صنعاء (ستيفن سيش) وكان شرط جناح الدوري في هذه المفاوضات، هو الاعتراف ب(حزب البعث) كجهة شرعية للحكم في العراق، بالإضافة إلى الاعتراف بالمجموعات المسلحة، وإلغاء قرارات الاجتثاث.
ثانياً: مفاوضات أطراف الحكومة العراقية، فمنذ حكومة علاوي وحتى الآن، أجرى عدد من القوى السياسية الحكومية، مفاوضات مختلفة مع الأجنحة، منها: أجرى وزير في حكومة علاوي مفاوضات مع فاضل المشهداني عضو القيادة القطرية الذي يرتبط معه بعلاقات قديمة، ولقد استهدفت المفاوضات إقناع المشهداني لتولي قيادة (البعثيين) ولكن باسم جديد، إلا أنه رفض العرض وانتهى الاجتماع من دون نتائج محددة.
وكان علاوي قد كشف في مقابلة أجرتها معه قناة (العربية) أنه نظم، بناءً على طلب من واشنطن، لقاءات بين مسئولين أمريكيين كبار ومندوبين عن (حزب البعث) من أجل إشراكهم في العملية السياسية في العراق، وكان هدف الاجتماعات إيجاد فهم مشترك بينهم وبين الإدارة الأمريكية، التي كانت ممثلة على مستويات عالية، على حد قول علاوي، الذي لم يشر إلى تواريخ هذه الاجتماعات، ولكنه أضاف أن ممثلين عن جناح الدوري حضروا الجلسات.
أما في زمن الجعفري، فقد تبنى مستشارون في حكومته، عدة مفاوضات مع (البعثيين) ففي عام (2007) قام أحد المستشارين بمفاوضات مع ضباط بعثيين سابقين من أبرزهم الفريق علي اللهيبي رئيس أركان فدائيي صدام واللواء رياض عبد التكريتي، واللواء شبيب سليمان المجيد ورعد حماد شهاب، واللواء الركن غزوان الكبيسي، حيث غادر الأخير سوريا إلى الأردن لهذا الغرض أكثر من مرة، والذي أصبح عضواً في القيادة القطرية التي تعمل تحت زعامة محمد يونس الأحمد.
أما في زمن نوري المالكي فقد جرت اتصالات من قبل شخصيات محسوبة على حزب الدعوة وعلى علاقة وثيقة بالمالكي وقادة بعثيين متواجدين في العراق وأغلبهم من البعثيين من أهل الشيعة كنعيم حداد الذي اعتذر لكبر سنه، وحاولوا تلميع أحد الشخصيات البعثية من الشيعة المقيم في الأردن من أهالي بعقوبة إلا أن المحاولات فشلت في حينها، لأن جميع البعثيين ومن كافة الأجنحة رفضوا دخول العملية السلمية إلا بعد إلغاء كل الإجراءات التي فرضها الأمريكيون وحلفاؤهم التي خدمت نظاما إقليميا على حساب النظام العربي.. وهذا الموقف لا ينحصر ولا يقتصر على البعثيين، فحتى المشاركون في العملية السلمية من أهل السنة، مثل جبهة التوافق وكتلة الحوار الوطني التي يرأسها صالح المطلق تطالب ومن خلال مشاركتها في العملية السلمية بإلغاء القرارات الخاصة بشطب حزب البعث مثل قانون المسألة وقانون اجتثاث البعض، والعفو العام عن جميع المعتقلين ومن دون شروط. وعودة حزب البعث إلى الحياة السياسية.
مقابل هذه الطلبات يقف حزب الحكيم (المجلس الأعلى) وبعض من جماعة حزب الدعوة وحزب الله العراقي يرفضون كل ذلك، بل وصل الأمر إلى تهديد نوري المالكي بالخروج عليه وفك التحالف معه إذا ما استمر في محاولاته التفاوض مع البعثيين وإعادتهم للحياة السياسية.
وهذا ما أعاد المواجهة من جديد وفرض على البعثيين وأنصارهم العودة للمقاومة.. وبقوة.