في ظل التطورات العالمية المتلاحقة، وفي ظل ما هيأته حكومات دول المجلس من مقومات النجاح لقطاع الصناعة، والتي من أهمها توفر الطاقة والمواد الخام إضافة إلى الكثير من التسهيلات والحوافز الأخرى سواء من حيث الإعفاءات الضريبية والجمركية أو من حيث توفر القروض الميسرة، وعلى الرغم من كل ذلك فإن دول المنطقة لم تستطع بعد الوصول بصناعاتها إلى مستوى تطلعات شعوبها.
فهل حرصت دول المجلس على توحيد المواصفات والمقاييس المعمول بها في دول المنطقة، وهل حرصت على تجنب كافة الازدواجيات الضريبية الممكن حدوثها في هذا المجال.
بكل أسف، الصناعة الخليجية (باستثناء البتروكيماوية منها) لم تستطع بعد منافسة العديد من الصناعات الأجنبية في مختلف الأسواق العالمية، وبكل أسف، نجد أنها لم تستطع أيضاً تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق الخليجي في العديد من الصناعات، وما من شك أن وجود سوق خليجي مشترك بمفهومه الصحيح بين دول المجلس هو الأسلوب الأمثل للنهوض بالصناعة الخليجية، وبالتالي التصدي للمنافسة الحادة في عصر تحكمه التكتلات الاقتصادية الاقليمية العملاقة والمنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم.
وقد يقول قائل إنه قد مرَّ أكثر من عام على إطلاق السوق الخليجية المشتركة حيث انطلقت في الأول من يناير 2008م، وبالتالي فإن ما أطالب بتحقيقه هو متحقق أصلاً، إلا أن ما يدمي القلب هو ذلك التباطؤ غير المبرر من قبل دول المجلس في تطبيق متطلبات تلك السوق المشتركة، فوفقاً لما صرح به الأمين العام لاتحاد غرف الخليج (الاقتصادية 7-4-2009م) نجد أن هناك صعوبات فنية وإجراءات إدارية بيروقراطية تعترض قيام السوق المشتركة، كما أن هناك تفاوتا بين دول المجلس في طبيعة إجراءات التطبيق، وما يؤكد ذلك أن حجم التجارة البينية بين دول المجلس لا يتجاوز ما نسبته 6% مقارنة بتجارتها مع الاتحاد الأوروبي، كما أضاف الأمين العام بأن تطبيق مفهوم التجارة الحرة بين دول الخليج مازال دون التطلعات المأمولة، مضيفاً: إن هناك تفاوتا كبيرا بين دول المجلس حول المهن والوظائف وشراء العقارات والمعاملة الضريبية وتأسيس الشركات، كما أوضح أن هناك إشكاليات متعددة تواجه الاتحاد الجمركي الخليجي ناهيك عن اختلاف المواصفات والمقاييس من دولة إلى أخرى، على الرغم من أنه قد مضى أكثر من ست سنوات على قيام هذا الاتحاد الجمركي.
بعد سماع كافة تلك المعوقات، أيقنت أن الأجهزة التنفيذية في دول المجلس لا تدرك الأبعاد السلبية التي تجنيها دول الخليج من جراء هذا التأخير غير المبرر في تطبيق الأسس السليمة للسوق الخليجية المشتركة.
مجرد تساؤل: ما الذي يجعل دول عظمى اقتصادياً كألمانيا وفرنسا وبريطانيا تقحم نفسها في سوق اقتصادية مشتركة مع دول تقل عنا كثيراً كتركيا واليونان؟! وبالمقابل: لماذا تتأخر دولنا الخليجية في تطبيق السوق الخليجية المشتركة لأسباب غير منطقية؟!