قبل أيام سلمني أحد الأصدقاء DVD يحوي ثلاثة أفلام، تقدم في مجموعها رؤية فكرية دينية للديانتين اليهودية والمسيحية؛ فالأول فيلم معروف اشتهر لمعارضة الأوساط الدينية المسيحية له، لأنه قدم السيد المسيح نبي الله عيسى بن مريم وشخصه هو وأمه البتول مريم، ومع أنه اعتمد على الرواية النصرانية في كتبهم إلا أني وجدت فيه تقارباً مما نؤمن به نحن المسلمين عن حياة نبي الله عيسى بن مريم، وكيف شبه لمن أرادوا صلبه، وكيف وشى به يهوذا مقابل 30 قطعة فضية.
أما في الفيلم الآخر (الوصايا العشر) فيروي قصة نبي الله موسى وكيف تبنته أسرة الفرعون الذي رباه ليقضي على حكمه.
أما الفيلم الثالث (الإنجيل) فهو يحكي بدء الخليقة وكيفية نظرة المتدينين النصارى لبدء الخليقة وفق رؤية الإنجيل الذي لا يمكن الجزم بأنه نفس الإنجيل الصحيح الذي نقله عدة رهبان وفق رؤيتهم.
الذي لفت نظري بعد مشاهدتي لهذه الأفلام.. وهنا المشاهدة بالنسبة إلي لا تعني المتعة ومشاهدة مجرد فيلم سينمائي، بل كان الهدف الأول من قضاء قرابة تسع ساعات مع هذه الأفلام وعلى مدى ثلاث ليال هو معرفة الفكر الديني لليهود والنصارى من خلال رؤية فكرية وفنية معاصرة نفذها وأنتجها كتاب وواضعو سيناريو ومخرجون ومثلها ممثلون غربيون.. لم يكن بينهم أحد من أرض الأنبياء فلسطين وسيناء ومصر، سوى عمر الشريف الذي مثل دور والد الفتاتين اللتين ساعدهما نبي الله موسى وجلب لهما الماء، وقدم لهم الحماية عند البئر، ومن ثم تزوج إحداهما بعد استئجاره لموسى بعد نصيحة الفتاة التي قالت كما ورد في سورة القصص من القرآن الكريم: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} (26) سورة القصص.
ولأن الهدف الذي دفعني إلى قضاء كل تلك الساعات مع ثلاثة أفلام.. هو هدف تتبع الفكر الديني عند اتباع الديانتين المعاصرين، فقد هالني تغاضي من يحمّلون المسلمين تبني وإطلاق الفكر الإرهابي وزعمهم بأن الدين الإسلامي يشجع الإرهاب لأنه يحوي جذور الإرهاب.. ذلك زعمهم الذي صدقه وروج له بعض من متعصبيهم حتى أن بابا الفاتيكان استشهد بإحدى خطب أحد قساوستهم في مجادلته لأحد سلاطين العثمانيين، رغم أن ما شاهدته وما فهمته من رؤيتي للأفلام الدينية الثلاثة تؤكد أن الإرهاب وفكره وممارسته، ما هو إلا فعل إنساني تلجأ إليه جماعة من البشر لفرض فكرها وتعميم مشروعها.. سواء كان هذا الفكر دينياً أو فلسفياً.. إيمانياً أو وثنياً.. وهو عمل ليس مرتبطاً بدين معين ولا قوم دون غيرهم ولا أمة لذاتها أو يرتبط بعصر دون عصر.
كما أنه لا يمكن وصم دين بذاته بالإرهاب، لأن حادثة أو فعل أمر به نبيٌ لضروريات الحالة التي كان يعيشها ذلك النبي، وإلا فإن أمر النبي موسى بقتل جميع الأسرى بعد واقعة انتصاره على عبدة العجل... يندرج في سياق هذا الفهم، فقتل جميع الأسرى وهم من يهود لأنهم خرجوا على عهدهم الذي قطعوه له وأخيه هارون.. يُعد عملاً دموياً وهذا التوصيف هو ما يستعمل في لغة العصر..!!
كما أن عمليات القتل والإبادة التي تعرض لها أتباع الديانات الأخرى على يد الرهبان وفرق التفتيش النصرانية تعد هي الأخرى أقصى وأقسى العمليات الإرهابية التي ترتكب ضد البشر، وهو ما يصنف في هذا العصر كحملات إبادة بشرية.. أو حرب ضد الإنسانية.
المهم الأفلام الثلاثة إنتاج هوليوودي.. غربي أمريكي التمويل والتأليف والإنتاج.. وهي مفاصل يسيطر عليها ويديرها يهود ونصارى وليس بينهم من يدين بالإسلام وهنا الأهمية، فهي شهادات على أن الإرهاب ليس محصوراً ومقصوراً على أتباع دين على آخر.. وهي في النهاية نزوة يشترك فيها جميع البشر.. مثلما يشتركون في نزوات وأفعال أخرى بعضها خير.. وبعضها سيئ.
jaser@al-jazirah.com.sa