يحدث أحد الناس عن صاحب له، فيقول: كان لي صاحب يقع كثيراً في أحد الناس، ويضمر له البغضاء، وفي يوم من الأيام كنا واقفين عند إشارة المرور، فالتفت وإذا بجانبي ذلك الرجل الذي يقع فيه صاحبي، فقلت لصاحبي: أتعرف هذا الرجل؟ فقال: لا، فقلت: ألم تره قبل اليوم؟ قال: لا، فقلت: ما ظنك به وأنت تراه الآن؟ فقال: أرى فيه الوقار، والهدوء.
فقلت: هذا هو صاحبك الذي تقع فيه، وتبغضه، فهز الرأس، وفكر ملياً، وكأنه بدأ يراجع حساباته.
فقلت له: كيف يكون ذلك الصنيع، وأنت لا تعرفه؟ فقال: سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت مثله.
هذه الحكاية واقعة، وأمثالها كثير، والناس فيها ما بين مُقلّ ومستكثر.
ولا ريب أن ذلك ضرب من التقليد الأعمى الذي يضر بصاحبه من جهة اكتساب الآثام من غير وجه حق، ويضر بالمجتمع من جهة أنه يفكك روابطه، ويفقد أهله الثقة فيما بينهم خصوصاً إذا كانت الوقيعة في الأكابر والأفاضل.
والذي تقتضيه الديانة والمروءة والحكمة أن يتروى الإنسان فيما يسمعه من وقيعة في الناس، حتى لا يقع في الظلم، والإثم.
أما إذا كان ما يسمعه مدحاً وثناءً فلا لوم عليه إن قبل ذلك؛ لأنه لن يترتب عليه في الأغلب ظلم ولا هضم.
وخلاصة القول أنه: لا بأس أن تكون مقلداً في الحب، أما في البغض فلا يحسن بك إلا أن تكون مجتهداً مطلقاً.
* كلية الشريعة - جامعة القصيم