يمارس الإعلام سلطة تحظى باهتمام ووتيرة متزايدة فهو يحمل رسالة في ثناياها هموم المجتمع وما يمس مصالحه العامة، وينطلق بها لجلب مصلحة معينة أو دفع مفسدة، وله في ذلك الباع الطويل في طرق أبواب كثيرة لتحقيق مراده، وكما قيل فهو سلطة لها نفوذها في عالم يسوده الاستفهام فوق كل شيء.
وفي هذا الإطار، فإن إسهام الإعلام في بعض هذه الهموم من حيث تحديد أهميتها يظل نسبياً، وذلك عائد لمرئيات وتصورات خاصة قد يدخل فيها متغيرات كثيرة. وهذا يبرز العديد من علامات الاستفهام حول ما المغزى من هذا الطرح؟!!
فكما أنه لا بد من إسهامات الإعلام في رقي المجتمع وطرح همومه؛ ففي القابل يبرز ضرورة أن يتسم هذا الإعلام بالمنطقية والتجرد ويطبق مبادئه السامية في السعي للمعلومة بعيداً عن الإثارة والتجني فما يسلط عليه الضوء الإعلامي ينبغي أن يأخذ أهميته من منطلقات ومسوغات مبررة شرعاً ونظاماً وتتجلى فيه المسؤولية.
والمسوغات النظامية والشرعية واضحة للجميع، ولكن ما يستدعي التوقف عنده المسؤولية والتي تتعدد كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته. والمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها) كما ويتضح من خلال النصوص القرآنية، وأن الإسلام يقيم المسؤولية على عدة مبادئ أساسية باعتبارها شروطاً مكونة لها.
وأول هذه الشروط علم المرء بمضمون هذه المسؤولية، حين يكون في حاجة إلى المعرفة، بما يتعلق بها من أحكام وتبعات، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}، وحينئذ لا تكون للإنسان أية حجة تبرر سلوكه المدان، حين يتعلل بالجهل أو الغفلة أو عدم التبليغ، قال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا، لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا}0
وثاني تلك الشروط انتفاء موانع الوعي بالمسؤولية أو القيام بها. ومعنى ذلك أنه عندما تتعطل الإرادة المسؤولة، بسبب جنون أو نسيان عارض أو غياب عقل أو إكراه، فالسلوك اللارادي غير مسؤول تماماً.
وثالث تلك الشروط بالنسبة للمسؤولية، تمكين الإنسان من الحرية فيما يمارسه من سلوك اجتماع وأخلاقي؛ أي تمكينه من أن يمارس أعماله في هذا المجال عن حرية وطواعية والتزام.
فالحرية مهما تكن درجتها أو مجالها، بالنسبة للإنسان، فهي مبدأ لا يمكن المماراة فيه، وعلى أساسها وضعت القوانين، وقامت الشرائع السماوية، وانتظمت مصالح الجماعات الإنسانية، وأسست المؤسسات القضائية في كل المجتمعات المتحضرة.