الناس تجاه والديهم على ثلاثة أقسام: العاقون، والمطيعون، والبارون، وليس الحديث في هذه المقالة عن القسم الأول، فالحديث عنه يحتاج إلى مقالات لا مقال واحد، وقد أشبع هذا الجانب وقتل بحثاً، وأما القسمان الآخران فلأجل ما يحصل بينها لدى كثير من الناس من الخلط وعدم التمييز وظن الكثير أن المطيع بار، نذكر ما ييسر الله في هذا الشأن ليكون المسلم على شيء من العلم في هذا الجانب: فالطاعة المطلقة هي امتثال الأمر دون النظر في النتائج مبدأً. إذاً فمن شروط الطاعة وجود الأمر، فالشخص تجاه أمر والديه بين الامتثال ما لم يكن إثماً، وبين الرفض، فإن امتثل فقد أطاع ومن أطاع فقد سلم من تبعة إثم الامتناع، وهنا يكون قد أدى ما وجب عليه، فهذا أقل درجات البر وليس هو البر كله. وأما البر فهو مرتبة أعلى من الطاعة ووصف زائد على امتثال الأمر بكثير، يجمع كلمة البر بالوالدين: بأن يقال هي: الترقي في سلم الامتثال من درجة الطاعة وامتثال الأمر إلى المبادرة بإحضار مشتهياتهما وتلمس ذلك قبل أن يسألاها مع الإحسان ورؤية الابن البار أن المنة لهما في ذلك عليه بعد الله، فهل يعي الناس هذه الحقيقة وهذه الفروق، ورحم الله ابناً باراً بوالديه يرجو بذلك وجه الله والدار الآخرة مع ما يناله في الدنيا من عاجل بر أبنائه به، ورحم الله والداً مكن أبناءه من بره، وبذل في تحقيق ذلك وذلل كل عقبة تحول دونهم ودون البر به.