المرء لابد له من جليس يجلس معه وإليه، ينظر في وجهه، ويحاوره، ويقابله مباشرة في مكان يجمعهما، كذا كانت مجالسنا قديماً، أما اليوم فاتسعت الدائرة وكثر الجلساء، وتشكلوا وصار الواحد بمقدوره أن يجالس من شاء في أي مكان شاء، فلا تمنعنا المسافات، ولا تعيقنا المواصلات، فالقنوات جليس، والجوال جليس، والإنترنت جليس، والصحف ووسائل الإعلام جليس.. وهلما جرا.

حتى أصبح الكثير من الناس يجلس إلى القنوات والإنترنت الساعات الطوال، أكثر من جلوسه مع والده أو ولده، حتى يتشكل وتشكله القنوات، وتصنعه شبكة المعلومات، فيتأثر ويؤثر، نعم إن جليسك هو ما يشكل أخلاقك (المرء على دين خليله) إن الإنسان يتشكل حسب جليسه، فالسيئ مع أهل السوء، والطيب مع الطيبين، والخبيث مع الخبثاء {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ...} (26) سورة النور.

يتشكل المرء حسن المتابعة، وما يعرض من غث وسمين، فالذي يتابع الفحش والدعارة يصبح فاحشاً، والذي يتواصل مع الضحك والسخرية والتمثيل يصبح فارغاً ساخراً، والذي يقبل على القيل والقال يصبح ثرثاراً كثير الكلام قليل الفعال، والذي يستلذ بالغيبة والنميمة يصبح من أهلهما {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ} (11) سورة القلم.

والذي يفرح بالطعن واللمز والغمز واللعن، يصبح طعاناً لعاناً، والذي يستبشر بالكذب والافتراء يصبح كذاباً وهكذا.. (الطيور على أشكالها تقع).

والذي ينظر في الأفلام الماجنة، يصبح ماجناً.

وكما قيل: قل لي من تجالس أقل لك من أنت.

وأبلغ من هذا وذاك قوله صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل) الحديث.

وسوف يحشر كل مرء مع جليسه، فاحذر أخي القارئ أن تحشر مع أهل المجون والخلاعة أو أن تحشر مع أهل الغيبة والنميمة، وأن تحشر مع الكذابين المفترين، أو أن تحشر مع أهل النفاق والريبة.

{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} (22) سورة الصافات.

أي القرين مع قرينه.

الله أسأل أن أكون وإياك من جلساء من عفت ألسنتهم، وصلحت أعمالهم.وإلى اللقاء..