من الخطأ أن تمتلك الشعوب أو تضطر في امتلاك زمام الأمور، أو تفكر مجرّد تفكير أن تصبح سيدة الموقف، أو بيدها تقرير مصير، وبخاصة في ظل وجود مؤسسات سياسية قادرة على حسم المواقف.. وبطبيعة الحال هذا لا يحدث إلا إذا لم تقم المؤسسات السياسية في لعب أدوارها وتحمُّل مسؤولياتها أمام الأحداث.
|
* في الأحداث الأخيرة في (الشرق الأوسط) نُسفت مشاريع السلام، وأُجهضت برامج التطبيع.. أُلغيت العهود والمواثيق، وانتفى ما يمكن تسميته (حوار الحضارات والأديان)، أُقصيت المبادرات، وقُطعت الجسور.. كل هذا لم يكن له قبول لدى الشعوب، أو لا ترغب في طرحه بعد أن أزّمها (العدوان الإسرائيلي) الغاشم والمستمر على الشعب الفلسطيني الأعزل.. انهيار في النظام العالمي للمؤسسات السياسية لا يقل خطورة وأهمية عن الانهيار الذي أحدثته الأزمة المالية العالمية.. وقد لا يستبعد أن هذا العدوان من أسبابها، أو الدافع إليها بشكل أو آخر.
|
* من المؤسف أن ما بناه أو حاول أن يبنيه دعاة السلام وحكماء العالم وعقلاؤهم في (عقدين) يُلاحظ انهياره في مدة لا تتجاوز (بضع سنوات)، قد لا يكون هناك دولة أعلنت ذلك وصرّحت به لكنّ ذلك بالفعل هو ما استقرّ في عقلية الشعوب المكلومة التي شاهدت وسمعت وقرأت عن العمليات الإجرامية التي مُورست وتُمارس مع (الشعب الفلسطيني)، فهاجت وماجت، وتعاطت بكل ما تملك مع شعب محاصر لا يملك إلا قوة الإرادة والعزيمة والثقة والإيمان بالله.
|
* هناك دول لا تستطيع شعوبها أن تُعبِّر عن رأيها، أو تُبيِّن موقفها.. لكن فظاعة الحدث وتجاوزه الحدود والأعراف والقيم جعل شعوب العالم النائية، ومن أعراق أخرى تعلن موقفها بجرأة وشجاعة وإنسانية تفوق مشاعر من يتفقون معهم في الجنس والعِرق.
|
* من الغريب أن تسمع من يقول إن (إسرائيل) مع كل موقف تحاول تلميع صورتها، وتمسح من ذاكرة الشعوب الأساليب والأدوات التي انتهجتها، والحقيقة أنها تحاول عكس ذلك في كل موقف، بل هي تريد أن ترسل لهذه الدول والشعوب المهزومة أن القوة هي اللغة التي تتعامل بها وتتفاوض عليها معهم، أما الصورة السالبة التي رُسمت عنها في الأحداث، وعبر التاريخ فستفرض على أنظمة بعض الدول التي حاولت شعوبها التعبير عن موقفها أن تقوم هي بنفسها بتغييرها بالوسائل التي لا تخفى على الجميع، وهناك بعض الدول لا تجيد إلا مثل هذه الأدوار.
|
* ومع هذا الواقع المرير، فإن الموقف الذي تبنَّاه خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) في أكثر من محفل أعاد بعض التوازن في المواقف، واسترد بحنكته وحكمته، وسداد رأيه وشجاعته ما أوشك أن يصل بالعالم إلى هاوية لا يُعلم منتهاها.
|
|
* تبقى على مرّ الأزمان نماذج تُمثِّل الإباء والعزة، والشموخ، يقف أمامها الشاعر ليقول:
|
ظنوك تغرى بسلطانٍ وحاشيةٍ
|
وتزدهيك - إذا أغنوك - أموالُ
|
ظنوك تخشى عوادي السجن فاغرةً
|
فاها كما يحتفي بالقوت اكّالُ
|
ظنوك تنبذُ ما قدّست من قيمٍ
|
وتستجيبُ لما قالوا وما كالوا
|
|
|