كثيراً ما نشتبك في مساحة يومنا مع عبدة اللوائح ومقدسي الأنظمة، أولئك الذين يتأبطون اللوائح والقوانين كخرائط معرفية لاكتشاف العالم من حولهم، ومن دونها يغدو محيطهم دامسا مشوشا بلا ملامح لأن اللوائح والأنظمة بالنسبة لهم البوصلة الوحيدة التي تفسر العالم لأدمغتهم الخاملة الكابية العاجزة عن مخاتلة غموض محيطهم واختراق سقوفهم المنخفضة.
المفارقة هنا أنهم دوما يلوحون بعصا الأنظمة والقوانين التي وضعت لخدمة المجتمعات البشرية من أجل محيط ومستقبل أكثر إنسانية وفاعلية، فتتحول تلك الأنظمة على يديهم إلى سدود وحواجز تنهض في وجه المغامرات الإبداعية التي هي وحدها الوقود الذي يسير مركبة التاريخ.
ولا أدري هل يرجع كثافتهم في محيطنا إلى غياب التفكير الفلسفي الإبداعي الجسور عن نسيجنا الثقافي، أم أننا هنا نستجير بنظرية العالم هيرمان الذي يرى أن الدماغ ينقسم إلى أربعة أقسام تقسيم رمزي، وكل قسم يختص بوظائف عقلية معينة حسب الآتي.
1 القسم العلوي الايسر A، يقوم بالوظائف التالية.
تحليل، حقائق، بيانات، أرقام، تركيز، جدوى، تقييم نتائج.
2 القسم العلوي الايمن D: يقوم بالوظائف التالية.
تفكير استراتيجي، تفكير ابداعي، نظرة شاملة، تصورات استكشاف خيارات متعددة، تجارب، إبداع، ابتكار، بديهة.
3 القسم السفلي الايسر B: يقوم بالوظائف التالية.
تخطيط تشغيلي، تنفيذ، إجراءات، تفاصيل، صيانة، ترتيب، طرق وأساليب، نظام، إدارة الوقت، انضباط، الأمن والسلامة.
4 القسم السفلي الايمن C: يقوم بالوظائف التالية.
علاقات مع الآخرين، مشاعر، عواطف، التعامل مع الآخرين، معاني إنسانية، رعاية، اهتمام بالوالدين، البديهة الحسية.
وكل إنسان يطغى عليه التفكير بأحد الاقسام الاربعة السابقة فبعضهم تجده يميل أكثر إلى التحليل والارقام والمال وبعضهم إلى الإبداع والتركيب والاستراتيجيات، وبعضهم إلى الانضباط والتنفيذ والدقة واحترام الوقت، وبعضهم إلى المعاني الإنسانية، والعلاقات والمشاعر.
نظرية هيرمان اختبرها على مايزيد عن 500.000 شخص، ولكن في النهاية وصل أن غالبية العينة عبارة عن خليط من الأنماط الأربعة،وأن نسبة من يمثلون هذا التقسيم بدقة هي نسبة بسيطة لاتتجاوز 7% من العينة.
والملاحظ على نظرية هيرمان أن النمط (A-B) هي النماذج النصوصية الخاضعة للوائح والأنظمة بشكل مستلب مكبل.
وإن كانت نسبة من تنطبق عليهم خصائص هذه العينة لايتجاوز 7% لدى هيرمان فأعتقد أن الأمر يختلف في مجتمعاتنا لأنه قد يتضاعف هذا العدد ليصل إلى أرقام فلكية لنصل إلى أعداد هائلة في مختلف قطاعات العمل ينحصر تفكيرها في تطبيق القواعد وتنحسر إبداعاتها في تنفيذ النصوص، ولاسيما في القطاع النسائي من اللواتي ألفن الاستجابة للأوامر العليا وأدوار (السكرتاريا) التنفيذية.