لا أعلم لم يتكرر مشهد الدكتور غازي القصيبي كلما غفى جفني واستلقيت للراحة، هل ليقيني أن رجلاً بحجم ومكانة وشخصية غازي القصيبي قادر على ما لم يأت به الأولون أو لحراك أسلحة العقل الباطن لدي بضرورة ووجوب التحقق من قدرة معالي الوزير في إحداث تغيير
يحسب له فهو الرجل القادر الذي يعمل تحت قيادة أوكلت له مهمة لا يحسد عليها وأطلقت له اليد فيما يتخذ من قرارات ليقينها بقدراته وجرأته وهو أهلٌ لذلك.
فقد رأيت كالعادة فيما يرى النائم أن ثمة حلولاً تتبختر بها أجندة معاليكم حيال قضية السعودة، والرؤيا كما يفسرها علماء النفس البشرية وقليل من مفسري الأحلام الصادقين أنها تتعلق بما يتم اختزانه في غياهب العقل الباطن الذي لا يتوقف عن جمع الإيجابيات في تيارات السلبية المختلفة ويقوم بدوره بتحويلها لدراما يراها النائم، والنائم وحده دونما إخراج أو سيناريو معتمداً أبطالاً في معظم الحالات هم كذلك في أرض الواقع.
وبطل رؤياي هو معاليكم وهو يتأبط أجندة تختلف عن سابقاتها، تتساقط منها كلما خطى معاليكم للأمام أوراق خضراء تحمل حلولاً جذرية للسعودة في بلادنا، استوقفتني إحداها وإذا معاليكم قد كتب بها حال بعض أصحاب رؤوس الأموال من تحايل مشروع على أنظمة الوزارة لتفادي منعهم من الاستقدام، كتب معاليكم أن القائمة التي تحمل قصر الوظائف على السعوديين تتواجد ليس في كل الإدارات المعنية بالاستقدام في القطاع الخاص بل لدى جميع المعقبين، مكتشفاً معاليكم أن الجميع يتفادون طلب مهن من تلك القائمة حتى لا يتم إيقاف طلبهم بحجة القصر وهم في واقع الأمر ينوون الاستقدام لتشغيل المستقدمين على تلك الوظائف، وكتب معاليكم هذا على أنه هم ووضع يجب إيجاد الحل له وليس اكتشاف حيث أربأ بقدرات معاليكم عن وصف ذلك الأمر اليسير على أنه من اكتشافكم، ثم مسكت بورقة خضراء أخرى وقد كتب معاليكم عليها أن الدولة تفرض رسوماً عالية في نظر المستثمرين على استصدار التأشيرات ورسوم أخرى على الإقامات والخروج والعودة وبطاقات العمل والتأمين وغيرها ويتم إيداعها في وزارة المالية لحساب صندوق تنمية الموارد البشرية وقد همز معاليكم بخط صغير متسائلاً عن جدوى إيجاد الصندوق حتى الآن وما قدمه، وإذ بورقة خضراء أخرى تقع على يدي كتب معاليكم عليها أن وزارة العمل قد حاولت مراراً وتكراراً جعل أمر السعودة هاجساً ودافعاً وطنياً ورداً لدين دون فوائد قدمه الوطن للمستثمر وقد آن سداد جزء منه، وقد حاولت الوزارة إيجاد صيغ عديدة وكثيرة لتوظيف وتفعيل هذا الهاجس من خلال حث المستثمرين على تنصيب السعودة على رأس إستراتيجياتها دون جدوى.
بدأت أرى مزيداً من الأوراق الخضر تتساقط من أجندة معاليكم فلهثت خلفها أجمعها محاولاً قراءة المزيد فوجدت معظمها تحكي هماً يحمله معاليكم وتفند كثيراً من إجراءات الوزارة التي كانت ولازالت تحمل مشروعاً وطنياً عظيماً، حتى سقطت قبيل الفجر في يدي ورقة خضراء جميلة تحكي قصة ارتباط الحصول على التأشيرات والسعودة، وقد كتب معاليكم عليها بخط متعرج يكاد لا يرى ويستشف منها أن ثمة خللاً في إجراء الوزارة الأخير بضرورة توظيف ما يوازي عشرة بالمئة من عدد المراد استقدامهم مضيفاً معاليكم أن التلاعب يطال كل قرار وأن المطالبة الوطنية المشروعة لا تكفي لإيجاد الحلول فسرعان ما يعود من تم توظيفهم لأروقة مكاتب العمل باحثين من جديد عن مساعده في توظيفهم لتقوم الوزارة بالتنقيب عن حلول في أرض قاحلة يقطنها باحثين عن الدرهم فقط.
لاحت بالأفق ورقة ذات لون أبيض ناصع لعلها آخر ما سقط من أجندة معاليكم قبل استيقاظي، وقد كتب عليها أن الحل الوحيد ربما لاجتثاث المشكلة على المدى البعيد ولإسكات من يطالب بالاستقدام متأبطاً حجة عدم وجود السعودي المناسب للمهنة هو في جعل تلك العشرة بالمائة المشروطة للموافقة على الاستقدام، جعلها منحاً دراسية في جامعات خاصة ومعاهد أهلية لتهيئة الشباب السعودي للعمل في الشركات المطالبة للاستقدام، واحتساب المنحة الدراسية كتوظيف اثنين من الشباب السعودي، ثم عرجت أسفل الورقة على بعض الأرقام المبعثرة المخطوطة بقلم معاليكم المثقف وأخذت أعيد النظر إليها وأجمعها وإذا بها تحكي بدقه متناهية أن كلفة المنحة في جامعاتنا الخاصة كجامعة الأمير سلطان والأمير محمد بن فهد وكلية اليمامة تقل بكثير عن كلفة توظيف الشاب إذا علمنا أن الراتب المتوقع لحملة الثانوية في حدود الألفي ريال وأن النسبة المتعارف عليها في أبجديات الموارد البشرية لحساب كلفة الموظف هي في ضرب مرتبه ب 1.8 . فضلاً عن ضمان تخرجه في التخصصات التي ألمحت إليها الورقة على أنها من ضمن الوظائف التي يزعم طالبو الحصول على تأشيرة لها بعدم وجود من يقوم بها من شباب الوطن.
وذيل معاليكم الورقة بضرورة إحالة ذلك إلى أحد وكلاء الوزارة لإنشاء مجلس للاستثمار في الموارد البشرية الوطنية يتولى صياغة وإقرار تطبيق ومراقبة اقتراح معاليكم، ويتم أيضاً ضم صندوق الموارد البشرية والتنظيم الوطني للتدريب المشترك والمركز الوطني للتوظيف له.
استيقظت وأنا أرى ملامح الحل تلوح بالأفق، أفق معالي الوزير المثقف القادر وهو يقدم اقتراحاً كهذا يزيد من مدخول صندوق تنمية الموارد البشرية عبر السماح للجميع بالاستقدام ويقضي على آفة بيع التأشيرات، ويساهم مساهمة فاضلة في تعليم من لم يتم استيعابهم في جامعاتنا ويضمن لهم وظيفة تخرج عن حدود وظائف الكتبة والأمن وما في حكمها، ويوجد لهم الأمن الوظيفي المتمثل في علم راق يتسلحون به.
لا أظن أن توظيف الشباب السعودي على وضعه الحالي هو غاية ما نطمح له.
أكاد أجزم أننا من خلال رفع المستوى العلمي لشبابنا وربط تخصصاتهم بحاجات سوق العمل في المدى القريب والبعيد نكون قد كفلنا بإذن الله للشباب السعودي بقوة علمهم ذلك ومن خلال سلاح تخصصهم وظائف آمنة دونما تدخل ودونما ضغط.
فهل يا معالي الدكتور ما رأيت يتحقق أم أنه أضغاث أحلام.
dr.aobaid@gmail.com