Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/04/2009 G Issue 13349
الخميس 20 ربيع الثاني 1430   العدد  13349
 
الحبر الاخضر
من يعلِّم أبناءنا التجارة والضرب في الأرض
د. عثمان بن صالح العامر

 

من التخصصات التي ظُلمت - في نظري - وعلى يد ذوي القربى ورجال العلم وأصحاب القرار تخصص الاقتصاد عموماً والاقتصاد الإسلامي على وجه الخصوص، ومن تراثنا العربي والإسلامي الذي هضم حقه وأهمل بشكل كبير تراثنا المالي وكأن الاقتصاد لم يولد إلا على يد آدم سميث، وكينز، وماركس، ولينين!! ويعلم الله أنني أفتخر بتخرجي في قسم الاقتصاد الإسلامي، افتخر أنني درست على يد علماء أفذاذ ومتخصصين بامتياز في هذا العلم الحياتي الهام، افتخر أنني تبحرت في هذا الحقل المعرفي الهام في يوم من الأيام، وكان الأمل يحدوني وزملائي أن نجد لنا بعد نيل درجة البكالوريوس في هذا التخصص الرائع والممتع والهام فرص عمل تتوافق وقدراتنا العلمية وفي مجال تخصصنا الذي كان تخصصاً عزيزاً وصعباً وعميقاً ولكن وللأسف الشديد ضاع الأمل وفقد الرجاء بسبب البيروقراطية المقيتة وعدم القناعة من قبل المسئولين عن قطاع التربية والتعليم بأهمية تدريس مادة الاقتصاد وهذا غريب!! واليوم وبعد أن وصل الحال من الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي داخل الكنيسة وصار الرأسماليون الذين كانوا حتى وقت قريب يوصدون كل المسالك أمام ما هو إسلامي، صاروا يراهنون على مصارفنا الإسلامية ويوصون باتباع المنهج الإسلامي في التعاملات المالية، أقول وقد وصل الأمر إلى هذا المستوى فنحن أحق بذلك منهم، ولعل من أولى الخطوات في هذا الطريق الطويل تدريس مادة الاقتصاد في المرحلة الثانوية وجعلها متطلباً أساساً لجميع الطلاب والطالبات في جامعاتنا السعودية، ليس لهذا السبب المنطقي فحسب أطالب بتدريس مادة الاقتصاد في المدارس والجامعات، بل لأننا جميعاً في المجتمع السعودي نريد أن نكون تجاراً، إن لم نكن بالفعل نمارس التجارة بطريقة أو بأخرى حتى ولو كانت تجارتنا مجرد حبر على ورق (السجل التجاري باسمك لأنك طالب والأب الموظف هو من يباشر العمل)، والمفهوم العام لدينا أن التجارة فقط تحتاج إلى إقدام وعزيمة وعدم تردد وخوف، الأكثرية منا تجار بالفطرة والبعض الآخر بالوراثة والثالث يبيها غصب، المهم أننا إلا ما ندر وشذ نعتقد أن أمر إدارة المال لا يحتاج إلى دراسة وتعلم، بل إلى شطارة وفهلوة والنتيجة الصراع الذي نراه لأخذ حقوق بعضنا البعض باسم التجارة، النتيجة الغش الذي نسمع عنه في كل باب من أبواب الرزق، النتيجة غياب ترتيب الأولويات الاقتصادية في حياتنا المعيشية والقصص في هذا غريبة وعجيبة، النتيجة عدم وجود ميزانيات عائلية تحدد الإيرادات والمصروفات بموضوعية وتعقل، بل القاعدة السائدة اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب، ليس هذا فحسب، بل تدين وخذ واصرف على أمور كمالية محاكاة وتبعية لمن أعطاه الله ورزقه وحين يأتي زمن السداد اهرب وأعلن الإفلاس!! النتيجة نتحرك ونندفع على إشاعة ونحمّل الجهات الحكومية المسئولية، وإذا وقع الفأس بالرأس ارتفعت الأصوات مطالبة بالتعويض ومصدر الاندفاع أو الإحجام مجرد إشاعة (يقولون) ومكائن الخياطة وإبرة الزئبق الأحمر ليست عنا ببعيد، ومن قبلها الأسهم والمساهمات و... وهذا دليل على محدودية التفكير الاقتصادي الحقيقي، حتى التجار اللي عليهم الكلام هم في الغالب لاجيت للصحيح لا يقدمون عمارة حقيقة في البلد ولا يساهمون فعلياً في النهضة والتطوير؛ فالغالبية في العقار أو السفر والسياحة أو في قصور الأفراح أو في الاستقدام والخدمات العامة أو في استخراج التأشيرات والمتاجرة بالعمالة وأخذ المقسوم نهاية الشهر أو في الأسهم الوهمية أو وكلاء تسويق يعني هم مجرد مسوقي خدمات... هذه - مع أهميتها - ليست ضرباً من ضروب عمارة الأرض مثل الصناعة أو الزراعة أو حتى التجارة متمثلة في نقل السلعة من مكان إلى آخر بشرط عدم الاحتكار والبيع بهامش ربح معقول، الشاهد من كل هذا أننا ما زلنا نعتقد أن التعليم لا يرتبط بشكل مباشر بحياتنا المعيشية وإن درسنا الاقتصاد أو طرفاً منه درسناه في الفقه مثلاً وبطريقة أبعد ما تكون عن الواقع المعاش واللغة الاقتصادية المعاصرة.. إنه لا خروج من التخبطات المالية التي يعانيها المجتمع ويتجرّع مرارتها الكثير من البيوت اليوم إلا بتوفيق الله أولاً ثم التوعية والتثقيف والمحاضن الحقيقية في هذا هي المدارس سواء بنين أو بنات ومن الأول الثانوي، بل حتى من المرحلة المتوسطة، ولذا نهيب بمعالي وزير التربية والتعليم أن يجد هذا المقترح الاهتمام والعناية وأن يضمن مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم العام (تطوير) عله أن يعيد التوازن الاقتصادي للبيت السعودي ونعرف الطريق الصحيح للثراء والاستخدام الأمثل للمال (ادخار + استثمار + استهلاك) والأخير (ضروريات + حاجيات + كماليات) وإلى لقاء والسلام.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244
التعليق

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد