نقرأ في الأثر: لا تسرف في الماء ولو كنت على شاطئ نهر.. ونحن لا يغيب عنا النذير الذي يتردد منذ سنوات أن أزمة نقص الماء قد تفرض حروباً على ظهر اليابسة؛ من أجل ذلك حدد يوم 22 مارس باليوم العالمي للماء.. ومع إيماننا نحن المسلمين بأن رب هذا الكون ومدبره عليم بكل شيء، ما كان وكائن وما سيكون، لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، وقدّر سبحانه كل شيء؛ وهو عز شأنه يدبر الأمر، فكل شيء بتقديره وعلمه.. غير أن الإنسان بتدخله الخاطئ أفسد في الأرض، وصنع ما يدمر هذا الكوكب الذي دبّر أمره موجده.. وكان ينبغي على العقلاء الذين استخلفوا في الأرض وأتيح لهم من العلم والقدرات العظيمة أن يحافظوا على ما قدره الله تقديراً وأعطى كل شيء خلقه، ليعيش سكان الأرض هانئين بإعمار دنياهم، لكن الإنسان يطغى إذا امتلك القوة والعلم الدنيوي والمال: قتل الإنسان ما أكفره، إذ سخر العلم والمال لتدمير كوكبه؛ بما وصل إليه سعيه وبحثه.. وكان يجب أن يسخر كل المكتسبات لإسعاد البشرية، فيسود السلام؛ غير أن كماً كبيراً من منجزات الإنسان وحبّه إلى الهدم والتخريب والتدمير كان المعطيات.. ولو استثمر المخترعات لخير الحياة وإنسانها؛ لسعدت الحياة بمن فيها، وحين يوجه العلم والمال إلى الخراب، يشقي إنسان الأرض، بدل أن يسعد لو قدر للقوى أن تكون للبناء وليس للهدم والمحصلة سوء حال الحياة، فكثرت أسقامها وكان يمكن أن يوجه ما أنفق على تدمير كون الإنسان الكامل، إلى إسعاده، حين يسخر المال والعلم للبناء والإصلاح، وما كان الإنسان ليشقى بأخطار تحيق به من كل مكان، بدءاً من -الأوزون- إلى تلوث الفضاء بسموم المصانع ومخلفات المستشفيات والمخترعات التدميرية في شتى أصقاع الأرض، فأخذت الدنيا تعج بالأخطار والتخريب والإفساد في الأرض، وصدق الحق القائل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة الروم (41).. إن كيان الأرض متكامل، يستوعب كل المخلوقات على ظهرها، لكن تدخل المفسد أدى إلى كل الخلل الذي طرأ عليه، ولعل أزمة المياه التي شغلت الدنيا، حتى قيل إن هذه الأزمة سوف تبدأ أخطارها ومشاكلها العويصة مطلع عام 2030.. ويقدر علماء الاستشراف والخبراء في الاستراتيجيات أن الحروب المقبلة سيكون موضوعها الرئيس وسببها المباشر فرض السيطرة على منابع المياه ومجاريها، وليس بعيداً عنا ما يجري في منطقة الشرق الأوسط فكل مخططات إسرائيل ومفاوضاتها المزعومة تضع في الحسبان التحكم في المياه القليلة الموجودة بالمنطقة.
لقد قرأت في هذه الصحيفة قبل نحو عامين أن في مدينة الرياض وحدها -مليون- عاملة بالمنازل، ولعل في جدة مثل ذلك أو قريب منه، وفي المنطقة الشرقية والشمالية والجنوبية أرتال مثل ذلك، وإنه لسرف أن ترى وتسمع في شقق سكنية وبيوت وفلل الكثرة من -الشغالات- ولست بمنكر على الناس أن يتوسعوا شريطة ألاّ يصلوا إلى الإسراف المنهي عنه، وإنه لمن الخطأ أن تكون هؤلاء العاملات هن كل شيء في منازلنا؛ وسيدات البيوت تركن كل المسؤولية إلى المجلوبات للعمل في المنازل - حتى إن ألسنة أطفالنا وقد تعلقوا بهن، التوت بالعجمة، وهذا الوضع يتطلب الوعي والتوعية، فواجب المواطن أن يعي خطورة المسألة؛ وواجب الدولة أن توعي المواطن بما أتيح لها من وسائل البث والدعاية، وبعض الدول تحاول الضغط على الاستهلاك بوسائل مختلفة من بينها تحديد سلم استهلاك قاعدته الضروري، يباع للناس بأثمان معقولة وكلما زاد وعي الضروري ارتفع سعره حتى إذا صرنا إلى الشطط في الاستهلاك ارتفعت الأسعار ارتفاعاً، يخرج أحياناً عن القدرة والاستطاعة..
ولعل بيت القصيد، أو المحصلة من هذا الحديث؛ أن العاملات في منازلنا بدون استثناء يسرفن في إهدار الماء المحلى بلا حساب؛ رأيت ذلك في بيوت الأقارب والأصهار، فالحنفيات تصب في مواسير البيارات بتدفق لا حدود له؛ ولم أر مع الأسف أحداً من سيدات البيوت، ولا من الرجال القوامين، والأبناء والبنات من يقول: هابه.! وهذا الإهمال والتسيب في تبديد مياه البحر المحلاة وهي ذات تكاليف عالية، تبذّر تبذيراً نحن مسؤولون عنه، رجال ونساء وشبان وشابات، ولكننا في غفلة، كأن الأمر لا يعنينا، لا من قريب ولا من بعيد! فهل نحن أمة لا تكترث بشؤون حياتها إلا في جوانب محددة، والباقي لا يهم!؟
أريد أن أصل في حديث -أزمة الماء - العالمية، ونحن نشرب من البحر ونعتمد عليه؛ إلى مسألة تنقية المياه، وأترقب أن أرى أن الصرف الصحي شرع يستفيد من المياه المنقاة في سقيا الأشجار وشؤون البناء، وشيء مما نزرع ونستهلك في جوانب شتى من أمواه الصرف الصحي إذا أحسنا تنقيته والاستفادة منه. ومسألة (رسكلة) المياه المستعملة مسألة في غاية الأهمية لا سيما وأن العدد الأكبر من المياه المستعملة ليس على درجة كبيرة من التلوث بحيث يكون تنقيته عملية في المتناول وهي توفر نصيباً هاماً من المياه التي تعيش عليها المزروعات وتسقى بها المساحات الخضراء العامة وقد تستعمل في بعض الصناعات التي تتطلب كميات كبيرة من الماء.