Al Jazirah NewsPaper Monday  13/04/2009 G Issue 13346
الأثنين 17 ربيع الثاني 1430   العدد  13346
التضخم القادم
د. عبدالعزيز بن نايف العريعر

 

* الأزمة المالية العالمية أو الزلزال الاقتصادي لا يزال لم يصل إلى منتهاه، ولا أحد يعرف متى ينتهي وكيف وما هي التكاليف التي ستترتب وتنتج عن هذه الأزمة، وما زالت حالة التشاؤم والقلق سائدة حتى بعد انتهاء القمة الثانية لمجموعة العشرين خلال خمسة أشهر فقط وما اتخذته من قرارات نحو تنشيط الاقتصاد من خلال ضخ أكثر من 5 تريليونات دولار والوعد بالمزيد من عمليات التنشيط، ولكن الخوف يزداد والكل متمسك بما لديه من سيولة سواء الأفراد أو المؤسسات المالية والتجارية والصناعية

، وإذا كان أحد أهم الأسباب الرئيسة للأزمة كان التفاؤل المفرط وعدم تقييم الأخطار والمخاطر كما يجب فإن استمرار هذه الأزمة من أهم أسبابه هو الإفراط في التشاؤم والمغالاة في تقييم المخاطر لدرجة شح التمويل حتى للمقتدرين وبين البنوك.

* الحكومات الغربية والبنوك المركزية تسعى بكل قوة إلى ضخ السيولة في البنوك التجارية كودائع وشراء أسهمها وحتى شراء الأصول المتعثرة لتحسين ميزانيات تلك البنوك وكذلك تقديم الضمانات للمودعين واستعمال السياسة النقدية عن طريق خفض سعر الفائدة وعمليات السوق المفتوحة بشراء السندات وتخفيض الاحتياطيات الإلزامية وغيرها من الأساليب النقدية والسياسة المالية عن طريق خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق على المشاريع والسياسة النقدية التي تم التركيز عليها لكون المشكلة تركزت في القطاع المصرفي. هذه السياسة النقدية لا تستطيع تقديم الكثير إذا وصل سعر الفائدة إلى الصفر كما هو الحال الآن في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان مثلاً.

* كما أن برامج التنشيط الهائلة والسياسة النقدية التوسعية المفرطة لم تفلح حتى الآن في إعادة الثقة إلى أسواق المال أو تحريك الاقتصاد، وينطبق عليها المثل الغربي الذي يقول إنك لتستطيع إحضار الحصان إلى النهر ولكنك لا تستطيع أن تجعل الحصان يشرب.

إن الخوف في نظري هو أن ضخ هذه الأموال الضخمة في شرايين الاقتصاد من خلال هذه البرامج والسياسات لا بد أن يكون له أثر عاجلاً أم آجلاً في عودة الانتعاش للاقتصاد الغربي ولكن مصحوبة بنسب تضخم رهيبة؛ نظراً إلى وجود السيولة الكبيرة وعدم سرعة عودة الإنتاج بنفس السرعة.. والمشكلة أن الدول النامية ومنها دول مجلس التعاون ستكون أكثر المتضررين.

* إن ضخ هذه الأموال الترليونية من السيولة هو في المدى القصير ضروري وفي المتوسط مطلوب بجرعات محسوبة، ولكنه في المدى الطويل له آثار مدمرة؛ لأن التضخم الذي اختفت أو خفت حدته وحل محله الخوف من الكساد لا يجب أن يحجب عن أعيننا احتمال عودته بشكل أكثر ضرراً ولا يعني أنه لن يعود بشكل مفاجئ وكبير في المستقبل ويؤثر على اقتصاديات الدول النامية ومنها الدول المنتجة والمصدرة للنفط التي شاهدت في السنوات القليلة الماضية كيف كان شبح التضخم مخيفاً ومدمراً لمكتسبات الوطن والمواطن.

* إن من الضروري لدول مجلس التعاون تبني استراتيجية موحَّدة للتحوط من عودة التضخم والاستفادة من الفرص الحالية خلال فترة الكساد لتفعيل توجهاتها السابقة في الاستثمار في تطوير خطط وبرامج لتحقيق الأمن المائي والغذائي لمواطنيها والعمل الجماعي الجاد لعقد الاتفاقيات الثنائية والشراكات الاستراتيجية وشراء الأسهم في الشركات الاستراتيجية التي تدعم اقتصادها والحصول على مزايا المساعدات المالية والتحوط ضد انخفاض سعر الدولار ودرء المخاطر التي تعترض احتياطاتها المالية مثل تنويع تلك الاحتياطات وشراء الذهب وحماية القوة الشرائية لعملاتها.

* الهروب إلى الأمام والخطوات الاستباقية ضرورية جداً إذا ما أرادت دول مجلس التعاون الخروج من هذه الأزمة المالية والنفق المظلم بأقل الخسائر والتأسيس لنمو واستقرار أمورها في المستقبل بعد انفراج الأزمة، ومن أهم الخطوات هو الإسراع في إنهاء متطلبات الاتحاد المالي والنقدي لدول المجلس وإنشاء البنك المركزي واعتماد العملة الموحدة في الموعد المحدد بداية عام 2010 مع التنازل عن بعض الصلاحيات من أجل الصالح العام. كذلك لا بد من السعي الحثيث لإنهاء جولة الدوحة من المفاوضات التجارية لما لها من مردود إيجابي على اقتصاديات المنطقة وصناعاتها كونها مستهلكة للغذاء والمواد الزراعية وتساعد على نمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية التي هي أساس نمو واستقرار المنطقة؛ لأن دول مجلس التعاون من أكبر المستفيدين من حرية التجارة وإزالة العوائق لأنها ازدهرت بازدهار التجارة الحرة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد