Al Jazirah NewsPaper Monday  13/04/2009 G Issue 13346
الأثنين 17 ربيع الثاني 1430   العدد  13346
منعطف الصين
راسِل لي موسى بكين

 

في المؤتمر الشعبي الوطني الذي اختتم أعماله مؤخراً في الصين تصادم الأمل مع الخطر. وهذا المؤتمر الذي يُعقَد سنوياً يستمر لمدة أسبوعين، وعلى الرغم من أنه ليس من الإنصاف أو الدقة أن نصف المؤتمر بأنه ممارسة شكلية يتخلص الغرض منها في الموافقة الروتينية، إلا أن المندوبين يميلون في الأغلب الأعم إلى مسايرة السياسات التي ترسمها الحكومة المركزية والحزب الشيوعي. فأما الأمل فكان يتلخص في رغبة القيادة الصينية في القيام بأي تحرك أخيراً - ولا سيما لو كان ذلك التحرك جريئاً - لمنع المزيد من التدهور في المؤشرات الاقتصادية الرئيسية للبلاد. فقد تباطأ النمو، وتراجعت الصادرات إلى حد كبير، وقفزت مستويات البطالة، وكان الرأي السائد يقوم في الأساس على استراتيجية (توجيه اللوم إلى أميركا أولاً). وظل المحللون ينتظرون من المسؤولين الصينيين إنقاذ الرأسمالية من خلال تفصيل خطتهم لإنقاذ اقتصاد الصين أولاً. وأما الخطر فيرجع إلى أن هذا هو ما فعله قادة الصين على وجه التحديد. إن حكومة الصين منقسمة بشأن عدد من الأمور، ولكن هناك إجماع قوي على أن الاستقرار الاجتماعي معرض للخطر ما لم تظهر خطة تحفيز قوية قادرة على تفادي خسارة المزيد من الوظائف. (ولا حاجة بنا هنا للتأكيد على أن التاريخ الصيني يفتقر إلى علاقة سببية واضحة بين البطالة والاضطرابات الوطنية). ولقد أكد رئيس الوزراء الصيني وِن جيا باو أن جهوداً كبيرة تُبذَل لتوسيع وتنفيذ خطة الأربعة تريليونات يوان التي أعلن عنها سابقاً، وأن المزيد من الأرصدة المالية متاحة إذا ساءت الظروف.

الحقيقة أنه من الصعوبة بمكان أن نحدد البيانات الخاصة بنطاق خطة التحفيز - على سبيل المثال، حجم الاستثمارات في كل إقليم أو عدد المشروعات الجديدة في مقابل عدد المشروعات التي قد يساعد ضخ المزيد من الأموال إليها في إعادة تشغيلها أو تنشيطها (وهذه المشروعات في مقابل المشروعات التي قد يتم إغلاقها). ومن الواضح أن شفافية واتساق الأرقام الرسمية من الأمور التي لا ترقى بأي حال إلى الوعود الحماسية المفرطة بشأن إصلاح الحكومة، وتقويم البيروقراطية، وتقليص نفوذ أجهزة الحزب. وعلى الرغم من ذلك فليس ما لا نعرفه عن خطة التحفيز هو المزعج في الأمر. إذ يبدو أن الحكومة الصينية، بحكم ميلها كغيرها من الحكومات إلى المناورة السياسية والطرق المسدودة، توافق على أن النمو الاقتصادي الفوري يشكل أهمية قصوى وأن الحفاظ على معدلات نمو سنوية لا تقل عن 8% أمر أساسي. ولقد افترض العديد من المسؤولين (والمحللين والمستشارين الذين يدعمونهم) أن هذا الرقم السحري يشكل المعدل الأدنى المطلوب لتوفير فرص الوظائف للعمال والمديرين واستيعاب ما يزيد على ستة ملايين من الخريجين الجامعيين الجدد في كل عام الذين يفتشون عن فرصة عمل. سوف تتمكن الحكومة الصينية من تحقيق هدف النمو بنسبة 8%، ذلك أن الأهداف الموجهة يتم تحقيقها في الصين دوماً، بل ويتم تجاوزها أحياناً. ولا ينبغي لنا أن ننسى أن المستقبل المهني للساسة يعتمد في الأساس على الانصياع لمطالب الحكومة المركزية. بيد أن اعتماد الصين على السياسات الاقتصادية التي تتطلب التدخل الثقيل من جانب الدولة لتحقيق الأهداف الرسمية كان في تضاؤل.وعلى هذا فإن تركيز الحكومة المتجدد على مثل هذا الهدف يشكل إشارة أخرى إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية كانت سبباً في دعم موقف المسؤولين والمفكرين الصينيين الذين يدافعون عن النظام الاشتراكي. ولا شك أنه من الصعب أن يجادل المرء لصالح اقتصاد السوق عندما يكون تحت الحصار. إن الخطر الحقيقي الذي تفرضه خطة التحفيز ليس إيديولوجياً، بل إنه في الواقع خطر بيئي.ذلك أن النسبة 8% تعني بالنسبة للمسؤولين الإقليميين ومديري الصناعات أن الوعد الناشئ بالناتج المحلي الإجمالي الأخضر - حيث لم يكن على الحكومات المحلية أن تحقق النمو فحسب، بل وكان عليها أيضاً أن تكون حريصة على نظافة هذا النمو واستخدامه الفعّال للطاقة - أصبح حبراً على ورق. ويبدو أن قِلة من مسؤولي الحزب كانوا على استعداد لتكليف أنفسهم عناء التعامل مع التعقيدات المترتبة على مثل هذه الحسابات على أية حال، ولكنهم إما كانوا يلتزمون بها أو يتظاهرون بالالتزام بها من أجل الحفاظ على رعاية الحزب لهم وطلباً للترقية. والآن وقد أصبحت قدرة الحزب على إدارة الاقتصاد على المحك، فإن خطة التحفيز تعني ضمناً الإذن بتجاوز التنظيمات البيئية في حال تعرض هدف نمو الوظائف للخطر. إن الكفاءة في استخدام الطاقة هي الخاسر الأكبر هنا. إذ إن نسبة الأرصدة المالية الجديدة المخصصة للحفاظ على الطاقة وترشيد استهلاكها قد انخفضت إلى النصف تقريباً، وذلك بعد أن كانت إصلاحات بنية أسعار استخدام الطاقة قد بدأت بالفعل. والحقيقة أن الحكومة الصينية أبقت على بعض التدابير التي تهدف إلى إعادة توزيع حمل الطاقة - مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ولكن التمويل اللازم للتوسع في هذه الجهود سوف يتوقف إلى حد كبير على المسؤولين الإقليميين، الذين لن يكونوا راغبين في إلزام الكوادر المحلية بتعطيل الإنتاج وتسريح المزيد من العمالة. إن القدر الأعظم من السياسة في الصين محلي، ولكن العكس صحيح بالنسبة لكل ما يتصل بحماية البيئة. وتحمل الخطة الجديدة في طياتها نبأً أسوأ، ألا وهو أن كل القطاعات الصناعية تقريباً التي تستحق الدعم الحكومي المباشر والفوري طبقاً لخطة التحفيز تستهلك الطاقة بكثافة وبالتالي تشكل سبباً للتلوث (مثل صناعات الأسمنت والفولاذ)، أو تدار بالكامل تقريباً من جانب قطاع الدولية، وعلى هذا فهي تفتقر إلى الحافز لموازنة النمو مع الحماية البيئية (كما هي الحال في صناعة النفط). والحقيقة أن جماعات الضغط السياسي التي تشرف على هذه القطاعات التي تتداخل مع فصائل بعينها في الحزب أقوى من أن تتمكن المصالح الناشئة في المجتمع من صدها. إن الإشارة الأخيرة التي تبثها القيادة الصينية تتلخص في إن الانتعاش الاقتصادي يعتمد على تضاؤل الاهتمام بالبيئة. وهذا التراجع يوضح لنا أيضاً مدى ضآلة الإجماع بين كبار المسؤولين الحكوميين هناك على تحويل الصين إلى قوة اقتصادية خضراء. والمخاطر التي تفرضها الأزمة الحالية ليست أن حكومة الصين لا تفعل أي شيء لمواجهة الأزمة، بل إن ما تفعله في الواقع كان سبباً في تقويض كل الآمال الأخيرة في أن تساعد الصين في إنقاذ نفسها من خلال إنقاذ البيئة.

***

راسِل لي موسى يشغل حالياً منصب عميد مركز الدراسات الصينية في بكين.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.

www. project-syndicate. org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد