نحن نعيش في زمن من صفاته التفكك الاجتماعي، والفردية، والتمحور حول الذات، فقد زاد فيه التفكك والتصدع والعنف الأسري، وارتفعت نسب الطلاق إلى درجة مخيفة، وبلغت في بعض البلدان 80% أي أن 80 من كل 100 زواج تنتهي بالطلاق، وبلغت النسبة في بعض مدننا 50%
كما تشير الإحصاءات، ومن أجل ذلك كله يجب على الجميع التكاتف والتعاون لدعم الأسرة، ومساعدتها في أداء وظائفها الحيوية في خدمة الحياة، وخدمة الفرد والمجتمع، فمن ضمن وظائف الأسرة تأتي التنشئة الاجتماعية، وامتصاص توترات الحياة، وتقديم الدعم المادي والمعنوي لأفرادها، وتوفير الاستقرار والمودة والرحمة، بالإضافة إلى وظائفها الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والأخلاقية وغيرها من الوظائف المهمة في الحياة، ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن الغرب اكتشف الخطأ الجسيم الذي وقع فيه عندما أهمل الأسرة وعمل على تقليص وظائفها، واليوم نسمع أصواتاً كثيرة هناك تنادي بتفعيل دور الأسرة ووظائفها في الحياة، فهم يعزون كثرة الانتحار، والاغتراب، وتعاطي المخدرات، وارتفاع نسبة الجريمة، والشقاء بين الأفراد نتيجة لغياب دور الأسرة، وتحول المجتمع إلى الفردية، والتمحور حول الذات، ونحن المسلمين نحمد الله أن رزقنا إطاراً مرجعياً يحدد وظائف الأسرة، وعلاقاتها، وحقوق وواجبات كل فرد من أفرادها، ولعل أهم مؤشرات الصحة والسلامة الأسرية في الإسلام تتمثل في الجوانب التالية:
1- الالتزام بتعاليم الدين، ويقظة الوازع والضمير عند الزوجين، فمن كان مع الله كان الله معه، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
2- توفر مستوى معيشي مناسب للمرحلة الزمنية التي تعيش فيها الأسرة.
3- اكتمال هيئة الأسرة من حيث وجود الأب والأم والأولاد.
4- تقارب الاتجاهات والمواقف بين أعضاء الأسرة، من حيث الغايات والأهداف ومواجهة الأخطار، والعمل على تقريب تلك الاتجاهات والموقف بما يخدم كيان الأسرة ومسيرتها.
5- احترام الآداب وقواعد السلوك والعرف والتقاليد الحسنة التي تدعم وظائف الأسرة.
6- قيام الزواج على أسس وقواعد وأهداف سليمة، وأن يكون هدفه الاستمرار في الحياة وليس المتعة المؤقتة الزائلة.
7- وضوح الأدوار لكل فرد من أفراد الأسرة وخصوصاً أدوار الزوجين.
أما عوامل وأسباب التوتر الأسري فيمكن تلخيصها في الجوانب التالية:
1- ضعف الوازع الديني عند أحد الزوجين أو كليهما، فمن لا يستشعر مراقبة الله وثوابه وعقابه، ومن ليس لديه رقيب ذاتي فيمكنه أن يقوم بأي عمل يسيء إلى الآخرين داخل المنزل وخارجه. قال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لأهله، وأنا خياركم لأهلي)، وجاء في حديث آخر: (كلم راع وكل راع مسؤول عن رعيته).
2- عدم توفر المقومات المعيشية الأساسية للأسرة، فضعف الموارد المالية التي توفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة للأسرة قد يكون سبباً لبعض التوترات في الأسرة.
3- نقص هيئة الأسرة بغياب أحد الزوجين أو كليهما، فغياب أحد الزوجين بالطلاق، أو الوفاة، أو السفر المتكرر، له دور في ضعف الترابط الأسري، وعدم قيام الأسرة بوظائفها كما يجب، وبعض هذه العوارض حتمي لا يمكن تجنبه مثل الوفاة، وبعضه يمكن تفاديه وتجنبه مثل الطلاق والسفر والغياب بدون عذر مشروع.
4- اختلاف الاتجاهات والمواقف بين أعضاء الأسرة، فالاتجاهات الدينية والرياضية والأخلاقية عندما تختلف بين أعضاء الأسرة قد تؤدي إلى كثير من التوترات والنزاعات.
5- عدم احترام الآداب وقواعد السلوك والعرف والتقاليد الحسنة، مثل احترام الكبير، واستقبال الضيوف وإكرامهم، والتزام النظام والنظافة، والجد والاجتهاد في الدراسة.
6- طغيان شخصية أحد الزوجين، فالشخصية التي تحاول إلغاء دور الطرف الآخر وتهميشه، واستتباعه في جميع المواقف لابد أن تواجه مقاومة وممانعة في معظم الحالات.
7- تنازع وتضارب الأدوار لكل من الزوجين، ولعل هذا السبب من أهم أسباب تحطم الأسرة الغربية، فالعناية بالصغير في شهوره الأولى من وظائف الأم وليس من الفطرة إسناد ذلك إلى الزوج، ومعظم أعمال المطبخ في ثقافات العالم الشرقية والغربية من وظائف المرأة، وحمل السلاح، والدفاع، وتوفير المال من وظائف الرجل، ولا بأس بتعاون الطرفين فيما يمكن التعاون فيه مثل توفير المال، والعناية بالأطفال بعد تجاوز مرحلة المهد.
8- المشكلات الجنسية، من حيث الزيادة المفرطة، أو الضعف المفرط.
9- تدخل الأقارب والأصدقاء في حياة الزوجين، فالدراسات تشير إلى أن السبب الأول للطلاق يأتي من تدخل أهل الزوج أو أهل الزوج في حياة الزوجين، وتأليب أحدهما على الآخر.
10- الخيانة الزوجية، فبعض حالات الطلاق وتصدع الأسرة تأتي من هذا الباب المحرم شرعاً عرفاً وأدباً وأخلاقاً.
11- كثرة الفراغ وعدم وجود برامج ترويحية مشروعة وكافية، فتكثر بذلك فرص المواجهة بين الزوج والزوجة، ويزيد التوتر النفسي والعاطفي بسبب الملل والركود والفراغ.
12- مرتب الزوجة، وما يثور حوله من خلافات، فكم تسبب ذلك المرتب في خلافات أدت إلى الطلاق، فالأب يريد أن يأخذ منه، والأم، والزوج من جهة أخرى، والضحية هي الزوجة في معظم الحالات، وهذا السبب بدأ يتناقص في العقود الأخيرة بسبب تزايد وعي الناس، وإدراكهم لأحقية الزوجة في راتبها لأنها هي التي تكدح في سبيله، ولا مانع أن تقوم هي بإرادتها بإعطاء من تشاء من أهلها أو أهل زوجها.
13- تعدد الزوجات، وخاصة مع غياب القدرة المالية، والجسدية، والانحياز إلى بعض الزوجات دون غيرها، ومن ثم الانحياز إلى أولادها وأهلها.
14- الفرق الكبير في السن بين الزوجين، وكم أتمنى أن يخرج قانون يحدد الحد الأقصى للفرق في السن بين الزوج والزوجة بحيث لا يتجاوز ثلاثين سنة، وألا يتم الزواج إلا بعد التأكد من موافقة طرفي الزواج عليه. إننا لو راعينا العوامل التي تؤدي إلى سلامة وصحة وضع الأسرة، وتجنبنا تلك العوامل التي تؤدي إلى تفككها وتصدعها لحظينا بأسرة سليمة وصحيحة وفاعلة، ومفيدة للفرد والمجتمع والبلاد، وفي الختام نسأل الله أن يوفق جميع الأسر إلى أداء وظائفها بيسر وفعالية وكفاءة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام، رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية - فاكس 012283689
zahrani111@yahoo.com