تأليف: معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
(الجزء الثاني عشر)
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
(بنت الأعشى)
السيرة الذاتية لم تكتمل صورتها في أدبنا السعودي، وما أحوجنا إلى هذه السير، لكن الأمر يفرح إذا رأينا تجاوباً من أعيان أفذاذ وعلماء أفراد، كمعالي الدكتور والأديب الوزير عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - حفظه الله وبارك فيه وأمتع محبيه ورواد أدبه، ثم يحاط من الله جل جلاله نشاط الخاطر وهمته، وبدوام العامية والصحة، إن شاء الله -. وبين يدي الجزء الثاني عشر من سيرته الذاتية (رسم على أديم الزمن)، هذه السيرة المتألقة الطويلة الدقيقة، وقد صال خاطره وجال على سيرة ذاتية ماتعة، أنا فيها الآن في عددها الأخير الذي وصلني، وحسب ظني أنه سيمتد إلى عصرنا الحاضر. والطبعة التي تقع بين عيني هي الأولى لعام 1429هـ 2008م، وقد طرزتها دار القمرين عمرها الله تعالى. والذي يثير عجبي هو ذاكرة الخويطر القوية جداً - حفظها الله من العجز والسأم والكلل -، ذكريات يصل تاريخها إلى أبعد السنوات، يكتب ما خزنه، ويفسر إشارته بمفكرة قديمة، حينما يرى رموزها. خرجت من هذه الأجزاء بسمتين تيقنت بهما للأديب الخويطر، وهما: قوة الذاكرة، وحفظ الورق القديم ولو كان قصاصة قديمة وقد كُتب عليها ما يفيد. الأديب الخويطر قوي التركيز في شأنه كله كأنه - ما شاء الله - جهاز حاسب آلي قديم وحديث، وهو يكتب لغة أدب جميلة جداً يستطرد كثيراً فيها، وأعتقد أن استطراده ليس من قبيل قطع الفكرة عند علماء النفس، بل علامة على موسوعيته وصيد خاطره، كما كان الأدب وأهله يقولون في الجاحظ. والخويطر يسير على سمته هذا، وسيمته هذه، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. وأنا أسير على مسيرة شيخي ومعلمي معالي الدكتور الوزير الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - رعاه الله - ولله در أمير الشعراء في قصيدة شعرية مؤثرة:
أرأيت أشرف أو أجلّ من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولا
سبحانك اللهم خير معلم
علّمت بالقلم القرون الأولى
ونعود إلى ما يحويه الجزء الثاني عشر من حياة الخويطر؛ لنصغي إليه وهو يقول لنا: (هذا الجزء الثاني عشر يصف خطوي من حقبة الدراسة في إنجلترا إلى بدء العمل مدرساً في جامعة الملك سعود، لن أسبق الحوادث فأصف في هذا الجزء ما سأكتب فيه، وأتركه للقارئ عندما ينتهي من هذه المقدمة إلى مخ الموضوع).
ويصف في كل تواضع البيئة التي نشأ عليها فيقول (كانت أسرتي كلها في مكة المكرمة، وتسكن في بيت في حي العتيبة، وهو حي جديد نوعاً ما، وهو يعد خارج مكة التي كنت أعرفها وأعيش فيها، وقد اختار الوالد أن يخرج إلى خارج مكة وإلى هذا الحي الجديد؛ لأن سعر الأراضي فيه متدن، تعالى طموحه في أن يتملك أراضي واسعة لا تستهلك أمواله في شراء الأرض، وتجهده فيما بعد في البناء، وهي فكرة أصبحت مفضلة، وبقيت حية في أذهان الناس إلى اليوم). والجميل في هذه السيرة الذاتية حب الخويطر الشديد بل أشد الحب والهيمان والعشق؛ لأن والده له شخصية من الصعب تكررها في ذاك الزمان. لفت نظري بُعد نظره وقوة فراسته التي لا يشق له فيها غبار، فلا يلحقه لاحق، ولا يسبقه إليها سابق، وهو الوحيد بفضل الله تعالى في وصول أديبنا إلى ما وصل إليه الآن، فلم يتركه والده عندما يفضل العمل على العلم، بل كان يدفعه دفعاً قوياً، يأتي عند الخويطر بدرجة الأمر، فما كان من الابن إلا أن يمتثله بكل أدب وأريحية ولين قول وخفض جناح، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل. ويلوح لي من حديث الخويطر التشابه الكبير بينهما في كل شيء حتى الخط، وأقوى من ذلك التشابه الشديد جداً في التوقيع رحمه الله تعالى رحمة الأبرار، وجزاه جنة وحريراً.
ونعود إلى سيرة خويطرنا الذاتية ليعرفنا بعمله فيقول (صار أمر تعييني هو أن أوضع على سلم وظائف الخدمة المدنية، وأقرب شيء هو أن أكون أميناً عاماً للجامعة وظيفة، وأن أقوم بالتدريس عملاً، ولا داعي لأن أزاول الإدارة لأنها ليست المقصودة في الأساس، ولكننا سنرى أن الله جل جلاله أراد غير هذا، والتعيين للمرتبة الثانية الثابتة يتم عن طريق مجلس الوزراء لأنها وظيفة المديرين العاملين في الوزارات، وهناك الثانية العادية وهي التي تلي نزولاً كما يدل اسمها المرتبة الثانية الثابتة، ومرتب العادية 1800 ريال، والثابتة 3000 ريال). ويحق لك كقارئ متذوق أن تعرف تاريخ هذه الشخصية العلمية، وهذا نص الحديث (اتصل بي الأخ إبراهيم العنقري - رحمه الله - وأخبرني على لسان سمو الوزير - رحمه الله - أنه لم ينجح في هذه المرة، وأنه سوف يكون هناك محاولة أخرى، وعلى هذا تعينت في 1-5- 1380هـ - 25 أكتوبر 1960م في المرتبة الثانية العادية بالأمر (1426) والتحقت بكلية الآداب مدرساً، وبقيت سنة تقريباً، وكنت سعيداً بعملي، واندمجت مع الحياة العلمية، وعزمت على الإنتاج، وبدأت أدرس تاريخ المملكة، ثلاث محاضرات في الأسبوع لقسم التاريخ وقسم الجغرافيا، مع زيادة محاضرة في الأسبوع لطلاب السنة الرابعة (تاريخ) مخصصة للنصوص، وكانت حصيلة جهد هذه السنة مسودة كتابي (تحقيق تاريخ أحمد المنقود)، ومسودة كتابي (عثمان بن بشر) وكتابي (في طرق البحث) وكتابي (من حطب الليل) وقد نشرت كتبي هذه في سنوات لاحقة كما هو مبين عليها). ويحوي هذا الكتاب بين عطفيه أموراً شتى، منها على سبيل المثال لا الحصر: شخصية الخويطر الإدارية، كما عاصر إنشاء جامعة الملك سعود الجديدة، ومشاكل إنشاء سكن الطلاب، ثم أهمية إنشاء كلية التجارة وبناء كلية الآداب، وكلية الصيدلة والطب، ثم كيف تكوّنت مكتبة الجامعة، وإنشاء جامعة البنات، ثم حديث عذب رشيق عن مباني الجامعة، وتوسعتها وصداع الرأس من أجل هذه التوسعة في مباني الجامعة، وتوثيق تاريخ جامعة الملك سعود، وذكريات الدكتور الأديب عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر - حفظه الله جل وعلا - بين الأمس الماضي، واليوم الحاضر، وبحثه عن مسكن له، واعتزازه بمسقط رأسه عنيزة - عمّرها الله -. المهم في الأمر أن يجد القارئ لهذا الكتاب بغيته ومبتغاه، ومرماه وهدفه.
وأخيراً:
إن هذه السير في أجزائها الاثني عشر تقدم نفسها بنفسها، عصامية نفسية طموحة، فهي كما قال متنبي الزمان الحديث والقديم:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
حفظ الله دولة الأدب الخويطرية، ومدّ في خاطرها وسؤددها. وعليك أيها القارئ أن تؤمّن، بل علينا أن نقول بصوتٍ عالٍ: اللهم آمين.
عنوان المراسلة: ص ب 54753 الرياض 11524- فاكس 2177739
Bent_alaasha@hotmail.com